للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وفي قولهِ: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] دليلٌ على أمانتِها على نفسِها، وقبولِ قولِها في وجودِ الحيضِ وانقطاعهِ؛ لأنهُ توعدَها بكتمانِ ذلكَ، وهذا دليلٌ على أنَّ قولَها معتبرٌ.

* وفي قولهِ: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩] دليلٌ على أنهُ لا يقعُ الطلاقُ إلَّا بعدَ النكاحِ، وأنَّ مَنْ علَّقَ طلاقًا بنكاحِ امرأةٍ لم ينعقِدْ هذا التعليقُ، ولم يقَعْ عليها شيءٌ إذا نكحَها؛ لأنَّ النكاحَ لا يُرادُ بهِ خلافُ مقصودهِ، وهذا بخلافِ تعليقِ عتقِ المملوكِ للغيرِ بملكهِ إياهُ، فإنهُ صحيحٌ ويُعتَقُ إذا ملكَهُ؛ لأنَّ تملكَ الرقيقِ يُقصَدُ بهِ العتقُ، وهوَ مقصودٌ شرعيٌ صحيحٌ.

* وقولهُ: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩] فيه الأمرُ بتمتيعِ المفارقةِ بالطلاقِ قبلَ المسيسِ مطلقًا، وفي آيةِ (البقرةِ) الأمرُ بالتمتيعِ إذا لم يسمِّ لها مهرًا، فإن سمَّى لها مهرًا فإنهُ يتنصفُ إذا طلقَها قبلَ الدخولِ، ويكون نصفُ الصداقِ هوَ المتعةُ كما قالَ تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: ٢٣٦ - ٢٣٧].

فحثَّ على العفوِ في هذا الموضعِ الخاصِّ؛ لنفعهِ وعظمِ موقعهِ، وقال: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، وهذا إرشادٌ عظيمٌ نافعٌ في جميعِ المعاملاتِ: أنهُ ينبغِي للعبدِ فيها ألَّا يستقصيَ في كلِّ شيءٍ، بلْ يجعلُ للفضلِ محلًّا من عفوٍ ومحاباةٍ وإعطاءٍ أزيدَ مما في الذمةِ قدرًا أو وصفًا، وقبولِ أدنى من الحقِّ كميةً وكيفيةً، فكم حصلَ بهذا الفضلِ -وإنْ كان طفيفًا- خيرٌ كثيرٌ، وأجرٌ كبيرٌ، ومعروفٌ، وبركةٌ، وراحةُ فكرٍ، وطمأنينةُ قلبٍ!

<<  <  ج: ص:  >  >>