للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاءِ اغترُّوا بنظرياتِهم الخاطئةِ المبنيةِ على ظنونِ عقولٍ مِنْ أصلِها فاسدة، وتركوا لأجلِها جميعَ العلومِ الصحيحةِ، خصوصًا ما جاءَتْهم بهِ الرسلُ، وصَدَقَ عليهم قولهُ تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣)[غافر: ٨٣].

وهؤلاءِ أمرُهم ظاهرٌ لجميعِ المسلمينَ، ولجميعِ المثبتينَ وجودَ البارِي، يعلمونَ أنهم أضلُّ الطوائفِ، ولكن تسربَ على بعضِ المسلمينَ مِنْ هذا المذهبِ الدهريِّ بعضُ الآثارِ والفروعِ المبنيةِ على هذا القولِ: إذْ فسَّرَ طائفةٌ من العصريينَ سجودَ الملائكةِ لآدمَ أنَّ معناهُ تسخيرُ هذا العالمِ للآدميينَ، وأنَّ الموادَّ الأرضيةَ والمعدنيةَ ونحوَها قدْ سخَّرَها اللهُ للآدميِّ، وأنَّ هذا هوَ معنى سجودِ الملائكةِ!

ولا يستريبُ مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ أنَّ هذا مستمدٌّ من ذلكَ الرأيِ الأفنِ، وأنهُ تحريفٌ لكتابِ اللهِ، لا فرقَ بينَهُ وبينَ تحريفِ الباطنيةِ والقرامطةِ، وأنهُ إذا أُوِّلَتْ هذهِ القصةُ إلى هذا التأويلِ توجَّهَ نظيرُ هذا التحريفِ لغيرِها من قصصِ القرآنِ، وانقلبَ القرآنُ -بعدما كان تبيانًا لكلِّ شيءٍ وهدًى ورحمةً- رموزًا يمكنُ كلُّ عدوٍّ للإسلامِ أنْ يفعلَ بها هذا الفعلَ، فيبطلُ بذلكَ القرآنُ، وتعودُ هدايتهُ إضلالًا، ورحمتهُ نقمةً، سبحانَكَ هذا بهتانٌ عظيمٌ!

والمؤمنُ في هذا الموضعِ يكفيهِ لإبطالِ هذا القولِ الخبيثِ أنْ يتلوَ ما قصَّهُ اللهُ علينا من قصةِ آدمَ وسجودِ الملائكةِ؛ فيعلمُ أنَّ هذا منافٍ لما قصَدَ (١) اللهُ ورسولهُ غايةَ المنافاةِ، وإنْ زخرفَهُ أصحابهُ، ولوَّوا لهُ العباراتِ، ونسبُوهُ إلى بعضِ مَنْ يُحسنُ بهم الظنُّ، فالمؤمنُ لا يتركُ إيمانَهُ ولا كتابَ ربِّهِ لمثلِ هذه الترويجاتِ المغررةِ، أو المغرورِ أصحابُها.


(١) في (خ): قصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>