للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوحَى اللهُ إليهِ أنهُ إذا جاءَ ذلكَ الوقتُ ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ أي: جُعِلَتِ الأرضُ كلُّها تتفجرُ عيونًا من كلِّ جانبٍ حتى المواضعِ البعيدةِ عن النارِ عادةً.

وأمرَهُ أنْ يحملَ من البهائمِ من كلِّ زوجينِ اثنينِ -ذكرٍ وأنثَى- ليبقَى نسلُها؛ لأنهُ يتعذرُ حملُها كلُّها، والحكمةُ تقتضِي إبقاءَ هذهِ الحيواناتِ التي خلَقَها اللهُ مسخرةً لمصالحِ البشرِ، ويحملَ معهُ جميعَ مَنْ آمنَ مِنْ رجالٍ ونساءٍ، والحالُ أنهُ: ﴿مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠].

وأمرهُ أنْ يحملَ أهلَهُ، ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] بالهلاكِ.

فلما أركبَ جميعَ مَنْ أُمِرَ بهم قالَ لهم: سمُّوا اللهَ كلَّما جرَتْ وكلَّما رسَتْ؛ لأنَّ الأسبابَ مهما عَظُمَتْ فهيَ من لطفِ اللهِ، ولا تمامَ لها إلا باللهِ.

فحينئذٍ فجَّرَ اللهُ الأرضَ عيونًا، وأمَرَ السماءَ أنْ تصبَّ الماءَ المنهمرَ الكثيرَ، فالتقَتْ مياهُ السماءِ بمياهِ الأرضِ، وساحَتْ على الأماكنِ المنخفضةِ، ثم ارتفعَتْ شيئًا فشيئًا على كلِّ المرتفعاتِ؛ حتى خفيَتْ قممُ الجبالِ الشاهقةِ، والسفينةُ ﴿تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ [هود: ٤٢] تضربُ يمينًا وشمالًا.

وفي تلكَ الحالِ المزعجةِ، رأى نوحٌ ابنَهُ الكافرَ الذي كان على دينِ قومهِ، وقدْ اعتزلَ أباهُ حتى في هذهِ الحالِ، فرآهُ مثلَ سائرِ قومهِ قدْ فرَّ هاربًا من المياهِ الجارفةِ، فناداهُ نوحٌ مترقِّقًا، فقالَ: ﴿يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: ٤٢]، فتمادى بهِ الغرورُ في تلكَ الحالِ التي تنقشعُ فيها الغياهبُ إلا عن القلوبِ المحجوبةِ؛ فقالَ: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود: ٤٣]، لم يخطِرْ ببالِهم أنَّ المياهَ سترتفعُ فوقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>