• وكذلكَ قولُهم: ﴿مَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ [هود: ٢٧] أي: نحنُ وأنتم بشرٌ.
وقدْ أجابَتِ الرسلُ كلُّهم عن هذهِ المقالةِ فقالوا: ﴿إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [إبراهيم: ١١]، فمَنَّ اللهُ على الرسلِ، وخصَّهم بالوحيِ والرسالةِ، معَ أنَّ إنكارَهم عليهم مِنْ هذهِ الجهةِ مِنْ أكبرِ الجهلِ وأعظمِ القدحِ في نعمةِ اللهِ؛ فإنَّ رحمَةَ اللهِ وحكمتَهُ اقتضَتْ أنْ يكونَ الرسلُ من البشرِ؛ ليتمكنَ العبادُ من الأخذِ عنهم، وتتيسرَ عليهم هذهِ النعمةُ، ويسهلَ اللهُ لهم طرقَها، فهؤلاءِ المكذبونَ كفروا بأصلِ النعمةِ، وبالطريقِ المستقيمِ النافعِ الذي جاءَتْهم بهِ.
• وكذلكَ قولُهم: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ [هود: ٢٧]، من المعلومِ لكلِّ أحدٍ عاقلٍ أنَّ الحقَّ يُعرَفُ أنهُ حقٌّ بنفسهِ، لا بمَن تَبِعَهُ، وأنَّ هذا القولَ الذي قالوهُ صدرَ عن كِبْرٍ وتيهٍ، والكبرُ أكبرُ مانعٍ للعبدِ من معرفةِ الحقِّ ومن اتباعهِ.
• وأيضًا قولُهم: ﴿أَرَاذِلُنَا﴾ [هود: ٢٧] إنْ أرادوا الفقرَ فالفقرُ ليسَ من العيوبِ، وإنْ أرادوا ﴿أَرَاذِلُنَا﴾ في الأخلاقِ فهذا كذبٌ معلومٌ بالبديهةِ، وإنما الأراذلُ الذينَ قالوا هذهِ المقالةَ.
فهلْ الإيمانُ باللهِ ورسلهِ، وطاعةُ اللهِ ورسلهِ، والانقيادُ للحقِّ، والسلامةُ من كلِّ خصلةٍ ذميمةٍ، هلْ هذا الوصفُ رذيلةٌ، وأهلُهُ أراذلُ؟! أمُ الرذيلةُ بضدِّهِ: مَنْ ترَكَ أفرضَ الفروضِ توحيدَ اللهِ وشكرَهُ وحدَه، [وامتلَأَ قلبُهُ] (١) من التكبرِ على الحقِّ وعلى الخلقِ؟! هذا -واللهِ- أرذلُ الرذائلِ، ولكنَّ القومَ مباهتونَ، فما نقمُوا من هؤلاءِ الأخيارِ ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: ٨].
(١) كذا في (خ). وفي (ط): وامتلاء القلب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute