للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ لهم مبينًا لهم أنهُ ليسَ عليهِ شيءٌ من الخوفِ، وإنما الخوفُ الحقيقيُّ عليكم، فقالَ: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١)[الأنعام: ٨١]؟!

أجابَ اللهُ هذا الاستفهامَ جوابًا يعمُّ هذهِ القصةَ (١) وغيرَها في كلِّ وقتٍ (٢)، فقالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] أي: بشركٍ، ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ فرفعَ اللهُ خليلَهُ إبراهيمَ بالعلمِ وإقامةِ الحجةِ، وعجزُوا عن نصرِ باطلِهم، ولكنهم صمَّمُوا على الإقامةِ على ما هم عليهِ، ولم ينفَعْ فيهم الوعظُ والتذكيرُ وإقامةُ الحججِ.

فلم يزَلْ يدعُوهم إلى اللهِ، وينهاهم عما كانوا يعبدونَ نهيًا عامًّا وخاصًا، وأخصُّ مَنْ دعاهُ أبوهُ آزرُ؛ فإنهُ دعاهُ بعدةِ طرقٍ نافعةٍ، ولكنْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس: ٩٦ - ٩٧].

فمن جملةِ مقالاتهِ لأبيهِ: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ [مريم: ٤٢ - ٤٣]، انظُرْ إلى حسنِ هذا الخطابِ الجاذبِ للقلوبِ، لم يقلْ لأبيهِ: إنكَ جاهلٌ؛ لئلا ينفرَ من الكلامِ الخشنِ، بلْ قالَ لهُ هذا القولَ: ﴿فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)﴾، فانتقلَ بدعوتهِ من أسلوبٍ لآخرَ؛ لعلَّهُ ينجعُ فيه أو يفيدُ، ولكنهُ معَ ذلكَ قالَ لهُ أبوهُ: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦].


(١) في (خ): القضية.
(٢) بعدها في (خ): وزمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>