للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ومنها: أنَّ المعصيةَ الواقعةَ لمن عُدِمَ منهُ الداعي والحاجةُ إليها أعظمُ؛ ولهذا كان الزِّنَى من الشيخِ أقبحَ من [الشابِّ] (١)، والكِبْرُ من الفقيرِ أقبحَ من الغنيِّ، والسرقةُ ممنْ ليسَ بمحتاجٍ أعظمَ من وقوعِها من المحتاجِ؛ لهذا قالَ شعيبٌ لقومهِ: ﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] أي: بنعمٍ كثيرةٍ، فأيُّ أمرٍ أحوجَكم إلى الهلعِ إلى ما بأيدِي الناسِ بطرقٍ محرمةٍ.

* ومنها: قولهُ: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] فيه الحثُّ على الرضا بما أعطى اللهُ، والاكتفاءُ بحلالهِ عن حرامهِ، وقصرُ النظرِ على الموجودِ عندَكَ من غيرِ تطلعٍ إلى ما عندَ الناسِ.

* ومنها: فيه دلالةٌ على أنَّ الصلاةَ سببٌ لفعلِ الخيراتِ، وتركِ المنكراتِ، وللنصيحةِ لعبادِ اللهِ، وقدْ عَلِمَ ذلكَ الكفارُ بما قالوا لشعيبٍ: ﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧]، وقالَ تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]

ومن هنا تعرفُ حكمةَ اللهِ ورحمتَهُ في أنهُ فرَضَ علينا الصلواتِ تتكررُ في اليومِ والليلةِ؛ لعظمِ وقعِها، وشدةِ نفعها، وجميلِ آثارِها، فللهِ على ذلكَ أتمُّ الحمدِ.

* ومنها: أنَّ العبدَ في حركاتِ بدنهِ وتصرفاتهِ، وفي معاملاتهِ الماليةِ؛ داخلٌ تحتَ حجرِ الشريعةِ، فما أُبيحَ لهُ منها فعلَهُ، وما منعَهُ الشرعُ تعيَّنَ عليهِ تركهُ، ومَن يزعمُ أنهُ في مالهِ حرٌّ، لهُ أنْ يفعلَ ما يشاءُ من معاملاتٍ طيبةٍ وخبيثةٍ؛ فهوَ بمنزلةِ مَنْ يرى أنَّ عملَ بدنهِ كذلكَ، وأنهُ لا فرقَ عندَهُ بينَ الكفرِ والإيمانِ، والصدقِ والكذبِ، وفعلِ الخيرِ والشرِّ، الكلُّ مباحٌ!


(١) كذا في (خ). وفي (ط): الشباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>