ومن المعلومِ أنَّ هذا هوَ مذهبُ الإباحيينَ الذينَ هم شرُّ الخليقةِ، ومذهبُ قومِ شعيبٍ يشبِهُ هذا؛ لأنهم أنكرُوا على شعيبٍ لما نهاهم عن المعاملاتِ الظالمةِ، وأباحَ لهم سواها، فردُّوا عليهِ أنهم أحرارٌ في أموالِهم، لهم أنْ يفعلُوا فيها ما يريدونَ.
ونظيرُ هذا قولُ مَنْ قالَ: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥]، فمَن سوَّى بينَ ما أباحَهُ وبينَ ما حرَّمَهُ اللهُ فقدْ انحرَفَ في فطرتهِ وعقلهِ بعدما انحرفَ في دينهِ.
* ومنها: أنَّ الناصحَ للخلقِ الذي يأمرُهم وينهاهم، مِنْ تمامِ قبولِ الناسِ لقولهِ: أنهُ إذا أمرَهم بشيءٍ أنْ يكونَ أولَ الفاعلينَ لهُ، وإذا نهاهم عن شيءٍ كان أولَ التاركينَ؛ لقولِ شعيبٍ: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨].
* ومنها: أنَّ الأنبياءَ جميعَهم بُعثُوا بالإصلاحِ والصلاحِ، ونهَوا عن الشرورِ والفسادِ، فكلُّ صلاحٍ وإصلاحٍ دينيٍّ ودنيويٍّ فهو من دينِ الأنبياءِ، وخصوصًا إمامَهم وخاتمَهم [محمدًا](١)ﷺ، فإنه أبدَى وأعادَ في هذا الأصلِ، ووضَعَ للخلقِ الأصولَ النافعةَ التي يَجْرُون عليها في الأمورِ العاديةِ والدنيويةِ، كما وضَعَ لهم الأصولَ في الأمورِ الدينيةِ، وأنه كما أنَّ على العبدِ السعيَ والاجتهادَ في فعلِ الصلاحِ والإصلاحِ، فعليه أنْ يستمدَّ العونَ من ربِّه على ذلك، وأنْ يعلمَ أنه لا يقدرُ على ذلك ولا على تكميلِه إلا باللهِ؛ لقولِ شعيبٍ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨].
* ومنها: أنَّ الداعيَ إلى اللهِ يحتاجُ إلى الحلمِ وحسنِ الخلقِ ومقابلةِ المسيئينَ بأقوالِهم وأفعالِهم بضدِّ ذلكَ، وألَّا يحفظَهُ أذَى الخلقِ، ولا يصدَّهُ عن شيءٍ من دعوتهِ.
(١) في (خ) و (ط): محمد. والمثبت موافق لقواعد اللغة.