* ومنها: أنَّ قتلَ الكافرِ الذي لهُ عهدٌ بعقدٍ أو عرفٍ لا يجوزُ، فإنَّ موسى نَدِمَ على قتلهِ القبطيَّ، واستغفرَ اللهَ منهُ وتابَ إليهِ.
* ومنها: أنَّ الذي يقتلُ النفوسَ بغيرِ حقٍّ يُعدُّ من الجبارينَ المفسدينَ في الأرضِ، ولوْ كان غرضهُ من ذلكَ الإرهابَ، ولوْ زعمَ أنهُ مصلحٌ، حتى يَرِدَ الشرعُ بما يبيحُ قتلَ النفسِ.
* ومنها: أنَّ إخبارَ الغيرِ بما قيلَ فيه وعنهُ، على وجهِ التحذيرِ لهُ، من شرٍّ يقعُ بهِ؛
لا يكونُ نميمةً، بلْ قدْ يكونُ واجبًا، كما ساقَ اللهُ خبرَ ذلكَ الرجلِ الذي جاءَ من أقصى المدينةِ يسعَى محذِّرًا لموسى، على وجهِ الثناءِ عليهِ.
* ومنها: إذا خافَ التلفَ بالقتلِ بغيرِ حقٍّ في إقامتهِ في موضعٍ، فلا يُلقِي بيدهِ إلى التهلكةِ ويستسلمُ للهلاكِ، بلْ يفرُّ من ذلكَ الموضعِ معَ القدرةِ، كما فعَلَ موسى.
* ومنها: إذا كان لابدَّ من ارتكابِ إحدى مفسدتَينِ تعيَّنَ ارتكابُ الأخفِّ منهما الأسلمِ؛ دفعًا لما هوَ أعظمُ وأخطرُ، فإنَّ موسى لما دارَ الأمرُ بينَ بقائهِ في مصرَ ولكنهُ يُقتَلُ، أو ذهابهِ إلى بعضِ البلدانِ البعيدةِ التي لا يعرفُ الطريقَ إليها، وليسَ معهُ دليلٌ يدلُّهُ غيرَ هدايةِ ربِّهِ، ومعلومٌ أنها أرجَى للسلامةِ؛ لا جرمَ آثرَها موسى.
* ومنها: فيه تنبيهٌ لطيفٌ على أنَّ الناظرَ في العلمِ عندَ الحاجةِ إلى العملِ أو التكلمِ بهِ، إذا لم يترجَّحْ عندَهُ أحدُ القولينِ فإنهُ يستهدِي ربَّهُ، ويسألُهُ أنْ يهديَهُ إلى الصوابِ من القولَينِ بعدَ أنْ يقصدَ الحقَّ بقلبهِ ويبحثَ عنهُ؛ فإنَّ اللهَ لا يُخيِّبُ مَنْ هذهِ حالُهُ، كما جرى لموسى لما قصَدَ تلقاءَ مدينَ ولا يدرِي الطريقَ المعينَ إليها، قالَ: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢]، وقدْ هداهُ اللهُ وأعطاهُ ما رجاهُ وتمناهُ.