يسلُكْها أو سلَكَها على وجهٍ ناقصٍ لم يحصُلْ لهُ الثمراتُ التي رُتبَتْ على الأعمالِ شرعًا ولا قدرًا، وهذهِ توجبُ للعبدِ أنْ يجدَّ ويجتهدَ في الأسبابِ الدينيةِ والدنيويةِ النافعةِ معَ استعانتهِ باللهِ، والثناءِ على ربهِ في تيسيرِها وتيسيرِ أسبابِها وآلاتِها، وكلِّ ما تتوقفُ عليهِ.
• والقسمُ الثاني: حوادثُ معجزاتِ الأنبياءِ التي تواترَتْ تواترًا لا يتواترُ مثلهُ في جميعِ الأخبارِ، وتناقلَتْها القرونُ كلُّها، وكذلكَ ما يكرمُ اللهُ بهِ عبادَهُ من إجابةِ الدعواتِ، وتفريجِ الكرباتِ، وحصولِ المطالبِ المتنوعةِ، ودفعِ المكارهِ التي لا قدرةَ للعبدِ على دفعِها، والفتوحاتِ الربانيةِ، والإلهاماتِ الإلهيةِ، والأنوارِ التي يقذفُها اللهُ في قلوبِ خواصِّ خلقهِ، فيحصلُ لهم بذلكَ من اليقينِ والطمأنينةِ والعلومِ المتنوعةِ ما لا يُدركُ بمجردِ الطلبِ وفعلِ السببِ، ومن نصرهِ للرسلِ وأتباعِهم، وخذلانهِ لأعدائِهم وهوَ مشاهدٌ في كثيرٍ من الأوقاتِ.
فهذا القسمُ ليسَ عندَ الخلقِ اهتداءٌ إلى أسبابِ هذهِ الحوادثِ، ولا جُعِلَ لهم في الأصلِ وصولٌ إلى حقيقتِها وكنهِها، وإنما هيَ حوادثُ قدَّرَها الربُّ العظيمُ الذي هوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، بأسبابٍ وحكمٍ وسننٍ لا يعقلُها الخلقُ، ولا لحواسِّهم وتجاربِهم وصولٌ إليها بوجهٍ من الوجوهِ، وبها آمنَ الرسلُ من أولِهم إلى آخرِهم، وأتباعُهم الأولونَ منهم والآخرونَ، وبها يُعرفُ عظمةُ البارِي، وأنَّ نواصيَ العبادِ بيدهِ، وأنهُ ما شاءَ اللهُ كان، وما لم يشَأْ لم يكنْ، ويُعرفُ بذلكَ صحةُ ما جاءتْ بهِ الرسلُ، كما يُعرفُ أيضًا بالقسمِ الأولِ.
وكما أنهُ لا سبيلَ إلى العبادِ في هذهِ الدار إلى إدراكِ كنهِ صفاتِ اليومِ الآخرِ، وكنهِ ما في الجنةِ والنارِ، وإنما يعلمونَ منها ما علَّمَتْهم بهِ الرسلُ، ونزلَتْ بهِ الكتبُ، ولا سبيلَ إلى أهلِ هذا الكونِ الأرضيِّ للوصولِ إلى العالمِ السماويِّ، ولا سبيلَ لهم إلى إحياءِ الموتى وإيجادِ الأرواحِ في الجماداتِ - فكذلكَ هذا النوعُ العظيمُ من حوادثِ الكونِ.