للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أطَلْنا الكلامَ على هذهِ المسألةِ -وإنْ كانتْ تستحقُّ من البسطِ أكثرَ من هذا- لأمرينِ:

• أحدهما: أنَّ الزنادقةَ المتأخرينَ الذينَ أنكروا وجودَ البارِي، وأنكروا جميعَ ما أخبرَتْ بهِ الرسلُ والكتبُ السماويةُ من أمورِ الغيبِ، ولم يثبتُوا من العلومِ إلا ما وصلَتْ إليهِ حواسُّهم وتجاربُهم القاصرةُ على بعضِ علومِ الكونِ، وأنكروا ما سوى ذلكَ، وزعموا أنَّ هذا العالمَ وهذا النظامَ الموجودَ فيه لا يمكنُ أنْ يغيَّرَهُ مغيرٌ، أو يغيَّرَ شيئًا من أسبابهِ، وأنهُ وُجِدَ صدفةً من غيرِ إيجادِ موجدٍ، وأنهُ آلةٌ تمشي بنفسِها وطبيعتِها، ليسَ لها مدبرٌ ولا ربٌّ ولا خالقٌ!

وهؤلاءِ جميعُ أهلِ الأديانِ يعرفونَ مكابرتَهم ومباهتتَهم؛ لأنهم كما عُدِمُوا الدينَ بالكليةِ فقدْ اختلَّتْ عقولُهم الحقيقة؛ إذْ أنكروا أجلَى الحقائقِ وأوضحَها وأعظمَها براهينَ وآياتٍ، وتاهوا بعقولِهم القاصرةِ وآرائِهم الفاسدةِ، هؤلاءِ أمرُهم معلومٌ.

• ولكنَّ الأمرَ الثاني: أنَّ بعضَ أهلِ العلمِ العصريينَ، الذينَ يتظاهرونَ بنصرِ الإسلامِ والدخولِ معَ هؤلاءِ الزنادقةِ في الجدالِ عنهُ؛ يريدونَ باجتهادِهم أو اغترارِهم أنْ يطبقُوا السننَ الإلهيةَ وأمورَ الآخرةِ على ما يعرفهُ العبادُ بحواسِّهم، ويدركونَهُ بتجاربِهم؛ فحرَّفوا لذلكَ المعجزاتِ، وأنكروا الآياتِ البيناتِ، ولم يستفيدُوا إلا الضررَ على أنفسِهم، وعلى مَنْ قرأَ كتاباتِهم في هذهِ المباحثِ؛ إذْ ضَعُفَ إيمانُهم باللهِ بتحريفِهم لمعجزاتِ الأنبياءِ تحريفًا يؤولُ إلى إنكارِها، وإنكارِهم هذا النوعَ العظيمَ من قضاءِ اللهِ وقدرهِ، وضَعُفَ إيمانُ مَنْ وقَفَ على كلامِهم ممن ليسَتْ لهُ بصيرةٌ، ولا عندَهُ من العلومِ الدينيةِ ما يُبطلُ هذا النوعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>