للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يحصُلْ ما زعموهُ من جلبِ الماديينَ إلى الهدَى والدينِ، بلْ زادُوهم إغراءً في مذاهبِهم؛ لما رأَوا أمثالَ هؤلاءِ يحاولونَ إرجاعَ النصوصِ الدينيةِ، ومعجزاتِ الأنبياءِ، وأمورِ الغيبِ؛ إلى علومِ هؤلاءِ القاصرةِ على التجاربِ والمدركاتِ بالحواسِّ، فيا عِظَمَ المصيبةِ، ويا شِدَّةَ الجُرْمِ المزوَّقِ! ولكنَّ ضعفَ البصيرةِ والإعجابَ بزنادقةِ الدهريينَ أوجبَ الخضوعَ لأقوالِهم، فلا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.

* ومنها: أنَّ مِنْ أعظمِ العقوباتِ على العبدِ أنْ يكونَ إمامًا في الشرِّ، وداعيًا إليهِ، كما أنَّ مِنْ أعظمِ نعمِ اللهِ على العبدِ أنْ يجعلَهُ إمامًا في الخيرِ هاديًا مهديًّا، قالَ تعالى في فرعونَ وملئهِ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [القصص: ٤١]، وقال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣].

* ومنها: ما في هذهِ القصةِ من الدلالةِ على رسالةِ محمدٍ ، إذْ أخبَرَ بهذهِ القصةِ وغيرِها خبرًا مفصلًا مطابقًا وتأصيلًا موافقًا، قصَّهُ قصًّا، صدَّقَ بهِ المرسلينَ، وأيَّدَ بهِ الحقَّ المبينَ، وهوَ لم يحضُرْ في شيءٍ من تلكَ المواضعِ، ولا درَسَ شيئًا عرَفَ بهِ أحوالَ هذهِ التفصيلاتِ، ولا جالسَ وأخذَ عن أحدٍ من أهلِ العلمِ، إنْ هوَ إلا رسالةُ الرحمنِ الرحيمِ، ووحيٌ أنزلَهُ عليهِ الكريمُ المنانُ؛ لينذرَ بهِ العبادَ أجمعينَ؛ ولهذا يقولُ في آخرِ هذهِ القصةِ: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ [القصص: ٤٦]، ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤]، ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٤٥] الآية، وهذا نوعٌ من أنواعِ براهينِ رسالتهِ.

* ومنها: ذكَرَ كثيرٌ من أهلِ العلمِ أنهُ يُستفادُ من قولهِ تعالى عن جوابِ موسى لربهِ لما سألهُ عن العصا فقالَ: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٧ - ١٨] الآية: استحبابُ استصحابِ العصا؛ لما فيه من

<<  <  ج: ص:  >  >>