للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم توعدَهُ لمخالفتهِ لأمرهِ، ولما كان ملكهُ مبنيًا على كمالِ العدلِ استثنَى فقالَ: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)[النمل: ٢١ - ٢٦].

ففي هذهِ المدةِ القصيرةِ جاءَ الهدهدُ بهذهِ المعلوماتِ العظيمةِ، أخبرَ سليمانَ عن ملكِ الديارِ اليمانيةِ، وأنَّ ملكتَهم امرأةٌ، وأنها قدْ أعطيَتْ من كلِّ شيءٍ يحتاجُ الملكُ إليهِ، وأنَّ لها عرشًا عظيمًا، ومعَ فهمهِ لملكِهم وقوتِهم فَهِمَ أيضًا دينَهم، وأنهم مشركونَ يعبدونَ الشمسَ، وأنكرَ الهدهدُ عليهم غايةَ الإنكارِ، هذا من الأدلةِ على أنَّ الحيواناتِ تعرفُ ربَّها وتوحدُهُ وتسبحُهُ، وتحبُّ المؤمنينَ، وتدينُ ربَّها بذلكَ، وتبغضُ الكفارَ المكذبينَ، وتدينُ اللهَ بذلكَ.

فقالَ لهُ سليمانُ: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨)[النمل: ٢٧ - ٢٨]، فذهبَ بالكتابِ فألقاهُ في حجرِ المرأةِ ملكةِ سبأٍ.

فلما قرأتْهُ عظمَتْهُ جدًّا، وأُرعبَتْ منهُ فزعًا، وجمعَتْ رؤساءَ قومِها فقالتْ: ﴿يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)﴾، كتابٌ مختصرٌ جامعٌ، فيه المقصودُ كلُّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>