للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالتْ: ﴿يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ أي: أشيرُوا عليَّ، وهذا من حزمِها وحسنِ تدبيرِها استعملَتِ المشورةَ معَ رؤساءِ قومِها، ﴿مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (٣٣)[النمل: ٣٢ - ٣٣] أي: مستعدُّونَ لما تقولِينَ حربًا وسلمًا، وأرجَعْنا الأمرَ إلى ما تختارِينَ.

فمن عزمِها وحزمِها وبُعدِ نظرِها عدلَتْ عن الحربِ، واختارَتِ السلمَ، لكنْ بصورةٍ حازمةٍ، فقالتْ: سأهدِي لهُ هديةً [عظيمةً فاخرةً] (١) ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥]:

• إنْ كان من الملوكِ الذي ليسَ لهم همٌّ إلا الدنيا، فربما أنَّ الهديةَ كسرَتْ سورتَهُ، وفلَّتْ عزيمتَهُ، وسالَمَنا وسالَمْناهُ من بعيدٍ.

• وإنْ كان غيرَ ذلكَ بانَ لنا الأمرُ.

فأرسلَتْ أناسًا ذَوِي عقلٍ وحزمٍ وخبرةٍ ومعرفةٍ، فلما جاؤوا لسليمانَ بالهديةِ، قالَ: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦]، فبيَّنَ لهم أنهُ لا غرَضَ لهُ في الدنيا، وإنما غرضهُ إقامةُ الدينِ، ودخولُ عبادِ اللهِ في الإسلامِ، ثم وصَّى الرسلَ، واستغنى بذلكَ عن الكتابِ، وقالَ للرسولِ: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧].

وعَلِمَ سليمانُ أنهم سينقادُونَ ويسلمُونَ، فقالَ لأهلِ مجلسهِ: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)[النمل: ٣٢ - ٣٩]، وسليمانُ بالديارِ الشاميةِ، وبينَهُ وبينَها مسافةُ شهرينِ ذهابًا وشهرينِ إيابًا.


(١) كذا في (خ). وفي (ط): حاضرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>