للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قالَ الذي عندَهُ علمٌ من الكتابِ: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠]:

• يحتملُ أنهُ كما قالَ أكثرُ المفسرينَ: إنهُ رجلٌ صالحٌ قدْ أُعطيَ الاسمَ الأعظمَ الذي إذا دُعِيَ اللهُ بهِ أجابَ، وأنهُ دعا اللهَ فأتَى بهِ قبلَ أنْ يرتدَّ إليهِ طرفهُ.

• ويحتملُ أنَّ الذي عندهُ علمٌ من الكتابِ عندَهُ من الأسبابِ التي سخَّرَها اللهُ لسليمانَ أسبابٌ يحصلُ بها تقريبُ المواصلاتِ وجلبُ الأشياءِ البعيدةِ.

وعلى كلٍّ فهذا مَلِكٌ عظيمٌ، بلحظةٍ يُحضَرُ لهُ هذا العرشُ العظيمُ؛ ولهذا لما رآهُ مستقرًّا عندَهُ حَمِدَ اللهَ على ذلكَ، قالَ: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.

فقالَ لمن حولَهُ: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ أي: غيِّرُوا فيه، وزيدُوا وأنقصوا، ﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾، وكان قد مُدِحَ له رأيُها وعقلُها، فأحبَّ أنْ يقفَ على الحقيقةِ، فلما جاءَتْ قِيلَ: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ وعُرِضَ عليها، فلما رأتْهُ عرفتْهُ ورأَتْ ما فيه من التنكيرِ فأنكرتْهُ، فقالَتْ مرددةً للاحتمالينِ: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ لم تقلْ: هوَ؛ لما فيه من التغييرِ، ولم تنفِ أنهُ هوَ؛ لما كانتْ تعرفهُ، فأتتْ بلفظٍ صالحٍ للأمرينِ، فعرفَ سليمانُ رجاحةَ عقلِها.

﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾:

• إنْ كان هذا من كلامِ سليمانَ فمعناهُ: إننا أُخبرنا عن عقلِها، وعلِمْنا بذلكَ قبلَ هذهِ الحالةِ، فتحقَّقْناها لما سَبَرْناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>