للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• وإن كان الكلامُ كلامَ ملكةِ سبأٍ، فإنها تقولُ: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ﴾ عن ملكِ سليمانَ، وأنهُ ملكُ نبوةٍ ورسالةٍ وقوةٍ هائلةٍ من قبلِ هذهِ الحالةِ، ﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ مذعنِينَ لما قالهُ سليمانُ بعدَما تحقَّقْنا أمرَهُ.

فكأنهُ قيلَ: معَ عقلِها هذا ورأيِها السديدِ، فكيفَ كانتْ تعبدُ غيرَ اللهِ؟! وكيفَ اجتمَعَ العقلُ وعبادةُ مَنْ لا ينفعُ ولا يضرُّ، وإنما يضرُّ مَنْ عبدَهُ؟!

حاصلُ الجوابِ قولهُ: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [النمل: ٤٣] أي: العقائدُ التي نشأَتْ عليها والمذاهبُ الفاسدةُ تسيطرُ على عقلِ العاقلِ، وتُذهبُ لبَّ اللبيبِ؛ حتى يُقيِّضَ [اللهُ] (١) لهُ من الأسبابِ المباركةِ ما يبيِّنُ لهُ الحقَّ، ويُمَنُّ عليهِ باتباعهِ.

وكان لهُ صرحٌ من قواريرَ أُجريَ تحتَهُ الأنهارُ، فكان مَنْ ينظرُ إليهِ يظنهُ ماءً يجري؛ لأنَّ الزجاجَ شفافٌ، فلما قيلَ لها: ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾، فرأَتْهُ لجةً وكشفَتْ عن ساقَيها، قالَ: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾، قالتْ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤]، فأسلمَتْ للهِ، واتَّبعَها قومُها، فيقالُ: إنَّ سليمانَ تزوَّجَها، فاللهُ أعلمُ.

ولما كانتِ الشياطينُ زمنَ سليمانَ قدْ سخَّرَهم اللهُ لهُ، وبلَغَهُ أنهم باجتماعِهم بالإنسِ يعلمونَهم السحرَ، فجمَعَهم وتوعدَهم، وأخذَ كتبَهم ودفنَها، فلما تُوفِّيَ سليمانُ جاءتِ الشياطينُ للناسِ وقالوا: إنَّ ملكَ سليمانَ مشيدٌ على السحرِ، واستخرجوا الكتبَ التي دفنَها، وأشاعوا من إغوائِهم للناسِ أنها مأخوذةٌ من سليمانَ، وأنَّ سليمانَ


(١) لفظ الجلالة زيادة من (خ).

<<  <  ج: ص:  >  >>