للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساحرٌ، وروَّجَ ذلكَ طائفةٌ من اليهودِ، فبرَّأَ اللهُ سليمانَ من هذا الأمرِ، وبيَّنَ أنَّ السحرَ من العلومِ الضارَّةِ فقالَ تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ [البقرة: ١٠٢] أي: بتعليمِ السحرِ [أو إقرارهِ أو الرضا بهِ] (١)، ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: ١٠٢] الآية.

وهذا من عظمةِ القرآنِ أنهُ يأمرُ الخَلقَ بالإيمانِ بجميعِ الرسلِ، ويذكرُهم بأوصافِهم الجميلةِ، وينزهُهم عما قالهُ الناسُ فيهم مما ينافِي رسالتَهم.

وكان اللهُ قدْ ابتلى سليمانَ، وألقَى على كرسيهِ جسدًا، أي: شيطانًا؛ عتابًا لهُ على بعضِ الهفواتِ، وإرجاعًا لهُ إلى كمالِ الخضوعِ لربهِ؛ ولهذا قالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] إلى اللهِ بقلبهِ ولسانهِ وبدنهِ، بظاهرهِ وباطنهِ، فقالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: ٣٥]، فاستجابَ اللهُ لهُ دعاءَهُ وأعطاهُ ما طلبَهُ من مغفرةِ الذنبِ، وأعطاهُ جميعَ ما طلَبَ كما تقدَّمَ.

وقدْ أثنَى اللهُ على داودَ وسليمانَ بالعلمِ والحكمِ، وخصَّ سليمانَ بزيادةِ الفهمِ فقالَ: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٨] أي: دخلَتِ الغنمُ بستانَهم ليلًا فرعَتْ زرعَهُ وأشجارَهُ، فحكمَ داودُ بحسبِ اجتهادهِ وتقديرهِ: أنَّ الغنمَ تكونُ لصاحبِ الحرثِ؛ لظنهِ أنَّ الذي تَلِفَ من الحرثِ يقابلُ قيمتَها.

ثم رُفعَتِ القضيةُ إلى سليمانَ، فحكمَ على صاحبِ الغنمِ أنْ يقومَ على حرثِ صاحبِ البستانِ بالسقي والتعميرِ والملاحظةِ حتى يعودَ كما كان قبلَ نَفَشِها، ويدفعَ لهُ


(١) كذا في (خ). وفي (ط): والرضاء به.

<<  <  ج: ص:  >  >>