* ومنها: أنَّ المنصوحَ -ولوْ كان كبيرَ القدرِ كثيرَ العلمِ- عليهِ ألَّا يغضبَ ولا يشمئزَّ، بلْ يبادرُ بقبولِ النصيحةِ والشكرِ لمنْ نصحَهُ، ويحمدُ اللهَ إذْ قيَّضَ لهُ النصيحةَ على يدِ الناصحِ، فإنَّ داودَ لم يشمئِزَّ من قولِ الخصمينِ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢]، بل حكَمَ بالحقِّ الصرفِ.
* ومنها: أنَّ المخالطةَ بينَ الأقاربِ والأصحابِ والمعامِلينَ، وكثرةَ التعلقاتِ الدنيويةِ الماليةِ؛ موجبةٌ للتعادِي، وبغيِ بعضِهم على بعضٍ، وأنهُ لا يَرُدُّ عن هذا الداءِ العضالِ إلا التقوَى والصبرُ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، وأنَّ هذا من أقلِّ شيءٍ في الناسِ.
* ومنها: إكرامُ اللهِ لداودَ وسليمانَ بالزلفَى عندَهُ وحسنِ المآبِ، فلا يتوهَّمُ أحدٌ أنَّ ما جرَى منهما منقصٌ لدرجتِهما عندَ اللهِ، وهذا من تمامِ لطفهِ بعبادهِ المخلصينَ، أنهُ إذا غفَرَ لهم وأزالَ عنهم أثرَ الذنوبِ أزالَ الآثارَ المترتبةَ عليها حتى ما يقعُ في قلوبِ الخلقِ، وما ذلكَ على فضلِ الكريمِ بعزيزٍ.
* ومنها: أنَّ مرتبةَ الحكمِ بينَ الناسِ مرتبةٌ دينيةٌ تولاها رسلُ اللهِ وخواصُّ خلقهِ، وأنَّ على القائمِ بها الحكمَ بالحقِّ، وألَّا يتبعَ الهوى؛ فالحكمُ بالحقِّ يقتضِي العلمَ بالأمورِ الشرعيةِ، والعلمَ بصورةِ القضيةِ المحكومِ بها، وكيفيةِ إدخالِها في الأحكامِ الشرعيةِ الكليةِ؛ فالجاهلُ بواحدٍ من هذهِ الأمورِ لا يحلُّ لهُ الإقدامُ على الحكمِ بينَ الناسِ.
* ومنها: أنَّ سليمانَ يُعدُّ من فضائلِ داودَ، ومن مننِ اللهِ عليهِ، قالَ تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠] وهذا أعظمُ تزكيةٍ، وأكبرُ فخرٍ لسليمانَ.
* ومنها: كثرةُ خيرِ اللهِ وفضلهِ على عبيدهِ الأخيارِ، يمنُّ عليهم بالأخلاقِ الجميلةِ، والأعمالِ الصالحةِ، ثم يُثنِي عليهم بها، ويرتِّبُ عليها من الثوابِ أنواعًا منوعةً، وهوَ المتفضلُ بالأسبابِ ومسبباتِها.