للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسبحانَ مَنْ ينعمُ ببلائهِ، ويلطفُ بأصفيائهِ، وهذا أيضًا عنوانُ الإيمانِ، وعلامةُ السعادةِ.

* ومنها: أنهُ ينبغِي للعبدِ أنْ يلتجئَ إلى ربهِ، ويحتميَ بحماهُ عندَ وجودِ أسبابِ المعصيةِ، ويتبرأَ مِنْ حولهِ وقوتهِ؛ لقولِ يوسفَ: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣]، فالعبدُ الموفقُ يستعينُ ربَّهُ على دفعِ المعاصي وأسبابِها، كما يستعينُ بهِ عندَ فعلِ الطاعاتِ والخيراتِ، واللهُ كافي المتوكلينَ.

* ومنها: أنَّ العلمَ والعقلَ الصحيحَ يدعوانِ صاحبَهما إلى الخيرِ، وينهيانهِ عن الشرِّ، وأنَّ الجهلَ يدعُو صاحبَهُ إلى ضدِّ ذلكَ؛ لقولهِ: ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣] أي: الجاهلينَ بالأمورِ الدينيةِ، والجاهلينَ بالحقائقِ النافعةِ والحقائقِ الضارةِ.

* ومنها: أنهُ كما على العبدِ عبوديةٌ لربهِ في حالِ رخائهِ، فعليهِ عبوديةٌ في حالِ الشدةِ، فيوسفُ لم يزَلْ يدعُو إلى اللهِ، فلما دخلَ السجنَ استمرَّ على ذلكَ، ودعَا مَنْ يتصلُ بهِ من أهلِ السجنِ، ودعا الفتيَينِ إلى التوحيدِ، ونهاهما عن الشركِ.

ومن كمالِ رأيهِ وحكمتهِ أنهُ لما رأى فيهما قابليةً لدعوتهِ حينَ احتاجَا إليهِ في تعبيرِ رؤياهما وقالا لهُ: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٣٦]؛ رأى ذلكَ فرصةً، فدعاهما إلى اللهِ قبلَ أنْ يعبرَ رؤياهما؛ ليكونَ أقربَ إلى حصولِ المطلوبِ، وبيَّنَ لهما أنَّ الذي أوصلَهُ إلى هذهِ الحالِ التي رأياهُ فيها من الكمالِ والعلمِ إيمانُهُ وتوحيدُهُ وتركهُ لملةِ المشركينَ، وهذا دعاءٌ لهما بالحالِ، ثم دعاهما بالمقالِ، وبرهَنَ لهما على حسنِ التوحيدِ ووجوبهِ، وعلى قبحِ الشركِ وتحريمهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>