* ومنها: أنهُ يُبدأُ بالأهمِّ فالأهمِّ، وأنهُ إذا سُئِلَ المفتي وكان السائلُ حاجتهُ في غيرِ سؤالهِ أشدَّ، أنهُ ينبغِي لهُ أنْ يعلمَهُ ما يحتاجُ إليهِ قبلَ أنْ يجيبَ سؤالَهُ؛ فإنَّ هذا علامةٌ على نصحِ المعلمِ وفطنتهِ وحسنِ إرشادهِ وتعليمهِ؛ فإنَّ يوسفَ لما سألَهُ الفتيانِ عن رؤياهما، وكانتْ حاجتُهما إلى التوحيدِ والإيمانِ أعظمَ من كلِّ شيءٍ؛ قدَّمَها.
* ومنها: أنَّ مَنْ وقعَ في مكروهٍ وشدةٍ لا بأسَ أنْ يستعينَ بمن لهُ قدرةٌ على تخليصهِ بفعلهِ، أو الإخبارِ بحالهِ، وأنَّ هذا لا يكونُ نقصًا ولا شكوًى إلى المخلوقِ ممنوعةً، فإنَّ هذا من الأمورِ العاديةِ التي جرَى العرفُ باستعانةِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ فيها؛ ولهذا قالَ يوسفُ للذي ظنَّ أنهُ ناجٍ منهما: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢].
* ومنها: أنهُ يتعيَّنُ على المعلمِ والداعي إلى اللهِ استعمالُ الإخلاصِ التامِّ في تعليمهِ ودعوتهِ، وألَّا يجعلَ ذلكَ وسيلةً إلى معاوضةٍ في مالٍ أو جاهٍ أو نفعٍ، وألَّا يمتنعَ من التعليمِ إذا لم يفعَلْ السائلُ ما كلفَهُ بهِ المعلمُ؛ فإنَّ يوسفَ قدْ وصَّى أحدَ الفتيَينِ أنْ يذكرَهُ عندَ ربهِ، فلم يذكرْهُ ونسيَ، فلما بدَتْ حاجتُهم إلى سؤالِ يوسفَ أرسلوا ذلكَ الفتى، وجاءهُ سائلًا مستفتيًا عن تلكَ الرؤيا، فلم يعنفْهُ يوسفُ ولا وبَّخهُ، بلْ ولا قالَ لهُ: لِمَ لَمْ تذكُرْني عندَ ربِّكَ، وأجابَهُ جوابًا تامًّا من جميعِ الوجوهِ.
* ومنها: أنهُ ينبغِي للمسؤولِ إذا أجابَ السؤالَ أنْ يدلَّ السائلَ على الأمرِ الذي ينفعهُ مما يتعلقُ بسؤالهِ، ويرشدهُ إلى الطريقِ التي ينتفعُ بها في دينهِ ودنياهُ؛ فإنَّ هذا من كمالِ نصحهِ، وجزالةِ رأيهِ، وحسنِ إرشادهِ؛ فإنَّ يوسفَ لم يقتصِرْ على تعبيرِ رؤيا المَلكِ، بلْ دلَّهم معَ ذلكَ وأشارَ عليهم بما يصنعونَهُ في تلكَ السنين المخصباتِ من الإكثارِ من الزراعةِ، وحسنِ الحفظِ والجبايةِ.