للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستجابَ لهُ في هذا الواحدُ بعدَ الواحدِ، على شدةٍ عظيمةٍ من قومهِ، وقاومَهُ قومهُ وغيرُهم، وبَغَوا لهُ الغوائلَ، وحرَصُوا على إطفاءِ دعوتهِ بجدِّهم وقولِهم وفعلِهم، وهوَ يجادلُهم ويتحدَّاهم أنْ يأتُوا بمثلِ هذا القرآنِ، وهم يعلمونَ أنهُ الصادقُ الأمينُ، ولكنَّهم يكابِرُون ويجحَدُونَ آياتِ اللهِ، كما قالَ تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣].

ولهذا لما كان استماعُهم للقرآنِ على وجهِ الكفرِ والجحدِ والتكذيبِ، وتوطينِ نفوسِهم على معاداتهِ؛ أخبرَ اللهُ تعالى أنهُ جعَلَ على قلوبِهم أكنةً أنْ يفقهوهُ، وفي آذانِهم وقرًا، وأنهم لا يهتدونَ (١)؛ بسببِ ما أسسوا من هذا الأصلِ الخبيثِ، المانعِ لصاحبهِ من كلِّ خيرٍ وهدًى.

وهذا مما يُعلمُ بهِ حكمةُ البارِي في إضلالِ الضالينَ، وأنهم لما اختارُوا لأنفسهِم الضلالَ ورغبُوا فيه؛ ولَّاهم اللهُ ما تولَّوا لأنفسِهم، وتركَهم في طغيانِهم يعمهونَ، وأنهم لما ردُّوا نعمةَ اللهِ عليهم حينَ جاءَتْهم؛ قلَّبَ اللهُ أفئدتَهم، وأصمَّ أسماعَهم، وأعمَى أبصارَهم وأفئدتَهم، وهذا الوصفُ الذي أشَرْنا إليهِ قدْ ذكرَهُ اللهُ في كتابهِ عنهم (٢)، وهوَ يُعينكَ على فهمِ آياتٍ كثيرةٍ يخبرُ اللهُ فيها بضلالِهم وانسدادِ طرقِ الهدايةِ عليهم، وعدمِ قبولِ محالِّهم وقلوبِهم للهدَى، والذنبُ ذنبُهم وهم السببُ في ذلكَ؛ قالَ تعالى: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٣٠].


(١) كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)﴾ [الكهف: ٥٧].
(٢) قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)﴾
[الأنعام: ١١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>