عن إدراكِ كنههِ الرجالُ الفحولُ، وذلكَ يدلُّ على قدرةِ مصرفِها، وسعةِ علمهِ، وشمولِ حكمتهِ، وعمومِ رحمتهِ ولطفهِ الشاملِ، وعظمتهِ وكبريائهِ وسلطانهِ العظيمِ، يضطرُّ (١) العباد إلى معرفةِ ربِّهم، وإخلاصِ العبادةِ لهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ.
* وفي الفلكِ التي تجرِي في البحرِ: وهيَ: السفنُ والمراكبُ ونحوُها مما ألهمَ اللهُ عبادَهُ صنعتَها، وأقدرَهم عليها بتيسيرِ أسبابِها، ثم سخَّرَ لها هذا البحرَ العظيمَ، والرياحَ التي تحملها بما فيها من الركابِ والأموالِ والبضائعِ التي هيَ من منافعِ الناسِ، وبها تنتظمُ معائشُهم.
فمَن الذي ألهمَهُم صنعتَها وأقدرَهم عليها، وخَلَقَ لهم من الآلاتِ المتنوعةِ ما بهِ يعملونَها؟! أمَّن الذي سخَرَ لها هذا البحرَ تجرِي فيه بإذنهِ وتسخيرهِ، والرياحَ؟! أمَّن الذي خلقَ للمراكبِ البريةِ والبحريةِ والهوائيةِ النارَ والمعادنَ المتنوعةَ المُعِيْنةَ على حملِها، وحملِ ما فيها من الأموالِ الثقيلةِ جدًّا؟!
فهلْ هذهِ الأمورُ حصلَتْ صدفةً واتفاقًا؟! أم استقلَّ بعَمَلِها وخلقِ أسبابِها هذا المخلوقُ الضعيفُ العاجزُ، الذي خرجَ من بطنِ أمِّهِ لا يعلمُ شيئًا، وليسَ لهُ قدرةٌ على شيءٍ، ثم أعطاهُ خالقهُ القدرةَ، وعلَّمَهُ ما لم يكنْ يعلمُ؟!
أم تقولُ -والحقَّ تقولُ-: بلْ المسخِّرُ لذلكَ الربُّ الواحدُ، العظيمُ العليمُ، الحكيمُ القديرُ، الذي لا يُعجزهُ شيءٌ، ولا يمتنعُ عليهِ شيءٌ، بلْ الأشياءُ كلُّها قدْ دانَتْ لربوبيتهِ، واستكانَتْ لعظمتهِ، وخضعَتْ لجبروتهِ.
(١) كذا في (خ) و (ط). ولعل الصواب: «مما يضطرُّ». كما صرح به المؤلف في تفسيره «تيسير الكريم الرحمن» (ص ٧٨) حيث قال: « … وعظمة سلطانه مما يوجب أن يؤله ويعبد».