للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشرِّ، وربما] (١) نوَى بذلكَ جذبَ مَنْ خالطَهُ وعاشرَهُ بمثلِ الأمورِ (٢) على فعلِ خيرٍ، أو انكفافٍ عن شرٍّ، وربما نوَى بمعاشرتهِ الحسنةِ إدخالَ السرورِ والانبساطِ على قلوبِ المؤمنينَ؛ ولا ريبَ أنَّ ذلكَ كلَّهُ من الإيمانِ ولوازمهِ.

ولما كانَ الإيمانُ بهذا الوصفِ قالَ تعالى في عدةِ آياتٍ من كتابهِ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣].

* ومنها: أنَّ الإيمانَ يشجعُ العبدَ، ويزيدُ الشجاعَ شجاعةً؛ فإنهُ لاعتمادهِ على اللهِ العزيزِ الحكيمِ، ولقوةِ رجائهِ وطمعهِ فيما عندهُ؛ تهونُ عليهِ المشقاتُ، ويقدمُ على المخاوفِ، واثقًا بربهِ، راجيًا لهُ، راهبًا من نزولهِ من عينهِ لخوفهِ من المخلوقينَ.

ومن الأسبابِ لقوةِ الشجاعةِ: أنَّ المؤمنَ يعرفُ ربَّهُ حقًا، ويعرفُ الخلقَ حقًّا، فيعرفُ أنَّ اللهَ هوَ النافعُ الضارُّ، المعطِي المانعُ، الذي لا يأتي بالحسناتِ إلا هوَ، ولا يدفعُ السيئاتِ إلا هوَ، وأنهُ الغنيُّ من جميعِ الوجوهِ، وأنهُ أرحمُ بعبادهِ من الوالدةِ بولدِها، وألطفُ بهِ من كلِّ أحدٍ، وأنَّ الخلقَ بخلافِ ذلكَ كلِّهِ؛ ولا ريبَ أنَّ هذا داعٍ قويٌ عظيمٌ يدعُو إلى قوةِ الشجاعةِ، وقصرِ خوفِ العبدِ ورجائهِ على ربهِ، وأنْ ينتزعَ من قلبهِ خوفَ الخلقِ ورجاءَهم وهيبتَهم.

* ومنها: أنَّ الإيمانَ هوَ السببُ الأعظمُ لتعلقِ القلبِ باللهِ في جميعِ مطالبهِ الدينيةِ والدنيويةِ، والإيمانُ القويُّ يدعُو إلى هذا المطلبِ الذي هوَ أعلى الأمورِ على الإطلاقِ، وهوَ غايةُ سعادةِ العبدِ، وفي مقابلةِ هذا يدعُو إلى التحررِ من رقِّ القلبِ للمخلوقينَ، ومن التعلقِ بهم.


(١) كذا في (خ)، وبه يستقيم السياق. وفي (ط): الشرور بما.
(٢) كذا في (خ) و (ط). ولعل صوابها: هذه الأمور.

<<  <  ج: ص:  >  >>