للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ﴿مَحْسُورًا﴾ أي: فارغَ اليدِ، فلا بقيَ ما في يدِكَ من المالِ، ولا خَلَفَهُ مدحٌ وثناءٌ.

* وهذا الأمرُ بإيتاءِ ذي القربى وغيرِهم معَ القدرةِ، فأمَّا معَ العدمِ أو تعذرِ النفقةِ الحاضرةِ فأمَرَ تعالى أنْ يُرَدُّوا ردًّا جميلًا، فقالَ: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا﴾ [الإسراء: ٢٨] أي: تعرضَنَّ عن إعطائِهم حاضرًا، ولكنكَ ترجُو فيما بعدَ ذلكَ تيسيرَ الأمرِ من اللهِ، ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٨] أي: لطيفًا برفقٍ ووعدٍ بالجميلِ عندَ الوجودِ، واعتذارٍ بعدمِ الإمكانِ في الوقتِ الحاضرِ؛ لينقلبُوا عنكَ مطمئنةً قلوبُهم، عاذرينَ راجينَ، كما قالَ تعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾ [البقرة: ٢٦٣].

وهذا من لطفِ اللهِ بالعبادِ: أمرَهم بانتظارِ الرحمةِ والرزقِ منهُ؛ لأنَّ انتظارَ ذلكَ عبادةٌ، وسببٌ لحصولهِ؛ فإنَّ اللهَ عندَ ظنِّ عبدهِ بهِ.

وكذلكَ وَعْدُهم أنْ يعطُوهم إذا وجدوا عبادةٌ حاضرةٌ لمن وَعَدُوا؛ لأنَّ الهمَّ بفعلِ الخيرِ والحسنةِ خيرٌ؛ ولهذا ينبغِي للعبدِ أنْ يفعلَ ما يقدرُ عليهِ من الخيرِ، وينوِيَ فعلَ ما لم يقدِرْ عليهِ إذا قدرَ؛ ليثابَ على ذلكَ، ولعلَّ اللهَ ييسرهُ لهُ.

* وفي قولهِ: ﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا﴾ [الإسراء: ٢٨] فيه: الحثُّ على تعليقِ القلبِ والرجاءِ والطمعِ باللهِ، وصرف التعلقِ بالمخلوقينَ.

فالموفقُ في حالِ الوجودِ والغنَى: قلبهُ متعلقٌ بحمدِ اللهِ وشكرهِ والثناءِ عليهِ، لا ينسى ولا يبطرُ النعمةَ، وفي حالِ الفقدِ والفقرِ: صابرٌ راضٍ، راجٍ من اللهِ فضلَهُ وخيرَهُ ورحمتَهُ، وهذا من أجلِّ عباداتِ القلوبِ المقرِّبةِ إلى علامِ الغيوبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>