* لما أمرَ اللهُ تعالى رسولَهُ خصوصًا، والمؤمنينَ عمومًا، باستقبالِ بيتهِ الحرامِ؛ أخبرَ أنَّ كلَّ أهلِ دينٍ لهم وجهةٌ يتوجهونَ إليها في عباداتِهم، وليسَ الشأنُ في القِبَلِ والوجهاتِ المعينةِ، فإنها من الشرائعِ التي تختلفُ باختلافِ الأزمنةِ، ويدخلها النسخُ والنقلُ من جهةٍ إلى أخرى، ولكنَّ الشأنَّ كلَّ الشأنِ في امتثالِ طاعةِ اللهِ على الإطلاقِ، والتقربِ إليهِ، وطلبِ الزلفى عندَهُ، فهذا هوَ عنوانُ السعادةِ ومنشورُ الولايةِ، وهوَ الذي إذا لم تتصفْ بهِ النفوسُ حصلتْ لها الخسارةُ في الدنيا والآخرةِ، كما أنها إذا اتصفتْ بهِ فهيَ الرابحةُ على الحقيقةِ، وهذا أمرٌ متفقٌ عليهِ في جميعِ الشرائعِ، وهوَ الذي خلقَ اللهُ لهُ الخلقَ وأمَرَهم بهِ.
* والأمرُ بالاستباقِ إلى الخيراتِ قدرٌ زائدٌ على الأمرِ بفعلِها؛ فإنَّ الاستباقَ إليها يتضمَّنُ: الأمرَ بفعلِها، وتكميلِها، وإيقاعِها على أكملِ الأحوالِ، والمبادرةِ إليها. ومَن سبَقَ في الدنيا إلى الخيراتِ فهوَ السابقُ في الآخرةِ إلى الجناتِ، فالسابقونَ أعلى الخَلقِ درجةً.