للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يبلغ أبناء موسى ما بلغوا من شهرة علمية عن طريق بحوثهم فقط بل عن طريق الخدمات الجليلة أيضًا التي أدوها لعلم الفلك، بفضل ما أوتوا من نبوغ في هذه الناحية، وفضلا عن هذا فقد كانوا بالرغم من أنهم كانوا في سن الشباب من أكبر مشجعي ومناصري العلم والعلماء، فكانوا يوفدون البعوث على نفقاتهم الخاصة إلى الدولة البيزنطية للبحث عن المؤلفات الفلسفية والفلكية والرياضية والطبية، وكان أبناء موسى لا يترددون في دفع الأثمان الباهظة لهذه المؤلفات اليونانية التي كانوا يزودون بها مكتبتهم الخاصة بدارهم بباب التاج في بغداد. فهناك وعلى قطعة الأرض التي وهبها لهم المتوكل بالقرب من قصره في سامراء وظف أبناء موسى العدد الكبير من المترجمين الذين استقدموهم من مختلف البلاد، وكانوا بصنيعهم هذا يقتدون بأمير المؤمنين الخليفة المأمون الذي اقتنى المخطوطات وشيد المدارس لتخريج المترجمين.

والآن نتساءل: كيف تيسرت الأمور وأصبح أبناء موسى الوحيدين الذين جاروا الخليفة في الأخذ بيد هذه النهضة العلمية العظيمة الأثر؟ ألم يمضوا أيام طفولتهم في حياة إن وصفت بشيء فالبساطة والتواضع؟ ألم يمض موسى بن شاكر وأسرته حياة أقرب إلى الفقر من أي شيء آخر؟ !

والآن نجد أبناءه يدفعون شهريًا لكل مترجم راتبًا لا يقل عن خمسمائة دينار ولا شك في أن إنفاق مثل هذه الأموال في اقتناء الكتب وإيفاد البعوث وترجمتها ونسخها قد كلفهم في شبابهم الكثير من الأموال؛ فمرتب المترجم أعني مبلغ الخمسمائة دينار كان يساوي بعملتنا الحالية حوالي ثمانمائة جنيه ذهبي، ولا شك في أنها مرتبات عالية كانت تكفل لأصحابها سعة في الرزق وسعة في الوقت وتفانيًا في خدمة رسالتهم العلمية الرفيعة. فمن أين لأبناء موسى جميع هذه الموارد المالية التي مكنتهم من النهوض بمثل هذا العبء العظيم؟ !

أين الذهب الذي جمعه موسى إبان غزواته الليلية التي كثيرًا ما شنها؟ إن أحدًا لم ير غزواته ولم يشاهد أسلابه، وهل كان هدف موسى من كل مغامراته تمويل مثل هذا المشروع العلمي الجبار؟ !

<<  <   >  >>