الحقيقية الصحيحة، وليس الأمر كذلك بالنسبة لليونان الذين لا يهتمون بالدقة المطلقة، كما قد يهربون من مراعاة الحساب الدقيق.
ثم إن مشاهدة السماء ودراستها ضرورة لا بد منها للمسلم لتأدية التزاماته اليومية، لذلك اهتم المسلمون بعلم الفلك ومن ثم تقدموا في صناعة الآلات والأجهزة، وكانت النتيجة المحتومة لكل ذلك بلوغ نتائج علمية عظيمة في إدراك كنه الشمس والقمر وسائر الأفلاك، ولم يقتنع الفلكي العربي بدراسة الزيج البطلمية بل ذهب بعيدًا فنقدها ووضع زيجه العربية وحتى هذه أعيدت دراستها ونقحت للتثبت من صحتها. وساهم الخلفاء والحكام والأمراء في تقدم الفلك فأجزلوا العطاء للفلكيين وأوقفوا الأموال الطائلة بل كفلوا حياة العالم وأسرته لا إبان حياته فحسب بل بعد وفاته أيضًا؛ لأن مثل هذه البحوث الفلكية كانت تطلب سعة في الرزق وسعة في الزمن.
وأشهر الزيج الفلكية العربية وجدت طريقها إلى أوربا وظلت مستعملة فيها حتى ظهور عصر «كوبرنيكوس»، إذ أصبح من العسير استخدامها للقيام بالأرصاد المختلفة. أما زيج الخوارزمي والمأمون والبتاني وجداول ابن يونس المعروفة باسم الحاكمية والطليطلية للزركلي فهي التي كانت أساسًا لزيج الملك ألفونس.
أما الأهمية والنتائج التي بلغها وتوصل إليها العلماء العرب في الطبيعة والفلك فكانت مضرب الأمثال/ فعلماء الفلك في بغداد كما يقول الفرنسي «سديلوت» بلغوا في أواخر القرن العاشر مرتبة من العلم ليس بعدها من مزيد، لقد أدركوا ما كان يجب على العالم إدراكه قبل العدسات والمنظار، ولعل السر في عدم وصول مؤلفات كثيرة من وضع علماء العرب إلى أوربا هو عدم ترجمة جميع مجلدات المكتبة العربية إلا اللاتينية. ومن أشهر علماء العرب الذين دفعوا الحركة العلمية في أوربا إلى الأمام وطوروها هو العالم العربي الفرغاني، وكان معاصرًا لبني موسى الذين كانوا يعملون في بغداد. لقد قاس الفرغاني خطوط طول الأرض وأدرك، وكان أول من أدرك، أن فلك الشمس كسائر الأفلاك الكواكب يتحرك مع مرور الزمن إلى الوراء، فكتاب الفرغاني في أصول علم النجوم قد ترجم في العصور