للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن الجدير بالذكر أيضًا أن أوربا لم تلفت إلى رأي البيروني الذي نادى به حوالي عام ١٠٠٠ م (٩٧٣ - ١٠٤٨ م) وهو الخاص باعتبار الشمس مركز الكون من وجهة النظر الفلكية، وقد توصل إلى هذا الرأي من قبل «أريستارخ» أحد أبناء مدينة ساموس، وتوصل إليه بعد ذلك بقرن «سليكوس» الكلداني البابلي.

وإبان عصر إحياء العلو ظهر العبقري الألماني (كوبرنيكوس) وقبله بنحو خمسة قرون عرفه العالم العبي البيروني. فليست الشمس هي سبب الليل والنهار بل الأرض نفسها هي التي تدور حول محورها والشمس تجري مع الأفلاك، والحقيقة أن جميع الذين تجرأوا على نقل الشمس من موضعها سيظلون مدى الحياة بمعزل عن الوجود لا يفهمون أحدًا ولن يفهمهم أحد، لذلك ما أعجب التناقض الذي نادى به «كوبرنيكوس» حتى اضطهدته أوربا المسيحية ونكلت به أشد التنكيل لأنه خالف تعاليم الكنيسة ورفض كلمة الكتاب المقدس.

لكن إذا استثنينا هذه المعارضة سواء كانت علانية أو سرية فالعالم «كوبرنيكوس» لم يكن هو أو الفلكيون الآخرون في وضع -وهم على ما هم عليه من أجهزة رصد لا يوجد بينها منظار مجسم- يسمح لهم بإثبات صحة آرائهم المناقضة للدين، لذلك كان لا بد من مرور أكثر من قرن على هذه الآراء لكي تفرض نفسها ويقبلها جمهور المفكرين. وما حدث لهؤلاء حدث من قبل للبيروني عندما جاء برأيه وذلك لعدم وجود الأجهزة التي تمكنه من إثبات صحة رأيه. وهكذا ظلت الأرض ثابتة في المكان الذي خصصه لها «هيبارش» في قلب الوجود، وحتى العرب الذين جاءوا بعده والذين اشتهروا بدقتهم الفلكية في مشاهدة الأفلاك ورصدها وخطوا بالعلم خطوات أبعد من تلك التي قام بها «هيبارش» عجزوا عن زعزعة الآراء الخاصة بالعالم.

وحتى القرن الثاني عشر نجد الشكوك موجودة في آراء بطليموس الخاصة بالكون، لكن في الشرق العربي وبخاصة في إسبانيا ومراكش نقرأ كثيرًا من الآراء التي تشكك في أقوال بطليموس وكان هؤلاء الناقدون متأثرين بآراء أرسطو. وهكذا نجد ابن باجة من سرجوسة يبدأ ببعث فكرة الاعتماد على البراهين الطبيعية

<<  <   >  >>