للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي سخر من هذه الحادثة التي شاهدها أيام شبابه وعبر عنها في كتابه الاعتبار في فصل عقده لها عنوانه: طبائع الإفرنج وأخلاقهم.

إن رواية أسامة بن منقذ ليست دعاية أعداء كما قد يتبادر إلى الأذهان، وليست محاولة مقصودة للنيل من عدو محترم هو في نفس الوقت عدو للعرب، فنحن نقرأ بعد ذلك بقرن حديثًا يريه لنا مؤرخ ثقة يدور حول «الماركجراف ديدو الثاني» فقد كان هذا الرجل قصيرًا يصعب عليه التنفس لضخامة جسمه وقد لاقى حتفه على يد «روخليتز» و «جويز»، وذلك لأنه كان ملازمًا للقيصر هينريش السادس في رحلته إلى خطيبته في أبوليا، فخاف من القيام برحلته هذه لكثرة شحمه أولا ولحرارة إيطاليا ثانيًا؛ لذلك استشار طبيبًا في ذلك فبقر بطنه واستخرج منه الشحم، وهذا حادث لا يقل عن حادث الطبيب الإفرنجي في البلاد المقدسة.

فمن التجارب التي تجمعت لدى الأمير أسامة بن منقذ والمعاملة القاسية التي تعرض لها الفرسان المسيحيون وذهب عدد كبير منهم ضحيتها، أصبح لا يحمل أي احترام أو تقدير للطب الإفرنجي، وهو على حق إذا ما اعتقد أنه لا طبيب إلا الطبيب العربي ولا دراسة طبية ناضجة تقوم على أسس علمية إلا في البلاد العربية ولا صيدلة إلا في البلاد العربية، كما لا توجد مستشفيات تضارع تلك القائمة في مختلف البلاد العربية، فهذه مستشفيات ممتازة بمعاملها وكفاية أطبائها ونظافتها ومستواها وتوفر وسائل العلاج والراحة والنقاهة لنزلائها حتى كانت مضرب الأمثال، فهل يستغرب أن يستعين الإفرنج بالأطباء العرب؟

ويستطرد الأمير أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار ويحدثنا: ومن عجيب طبهم ما حدثنا به «كليام دبور» (غليوم دبور) صاحب طبرية، وكان مقدمًا فيهم، واتفق أنه رافق الأمين معين الدين رحمه الله من عكا إلى طبرية، وأنا معه فحدثنا في الطريق قال: «كان عندنا في بلادنا فارسٌ كبير القدر فمرض وأشرف على الموت فجئنا إلى قس كبير من قسوسنا وقلنا: تجئ معنا حتى تبصر الفارس فلانًا؟ قال: نعم. ومشى معنا ونحن نتحقق أنه إذا حط يده عليه عوفي. فلما رآه قال: أعطوني شمعًا. فأحضرنا له قليل شمع فليّنه وعمله مثل عقد الأصبع، وعمل كل واحدة في

<<  <   >  >>