ثقة على الأرواح والأموال لا يصف دواء قتالا ولا يعلمه، ولا دواء يسقط الأجنة. يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه».
أما المسلمون في القدس ودمشق فقد كانوا يجهلون تمامًا ما يجري في مستشفى الإفرنج، وكانوا لا يتصورون هذا النظام الذي فرضه فرسان طائفة اليوحنايين على ذلك المستشفى القائم في القدس، فقد اشترط أولئك اليوحنايون على الجرحى الذين يرسلون إلى المستشفة أن يعترفوا أولا ويذكروا كل ما صدر عنهم من أعمال سيئة، ومن ثم يتناولون لقمة من الخبز الذي يسمى «جسد المسيح»؛ وبعد كل هذه الإجراءات فقط يسمح بإجراء الإسعافات الأولية للجريح.
أما في الوطن فقد كانت طائفة البنديكتيين هي التي تقوم بعلاج المرضى، وعن هؤلاء انتقلت هذه الوظيفة إلى سائر الأديرة الأوربية، وكان الراهب مطالبًا عند ممارسته هذه المهنة باتباع الحب المسيحي من حيث العناية بالنفس البشرية والعمل على تخفيف آلامها، لذلك أسست هذه الطائفة في مختلف الجهات أماكن الضيافة للرحالة والحجاج والأطفال غير الشرعيين واليتامى والشيوخ والفقراء والمرضى. أما البيوت المخصصة بالمرضى فلم تعرفها أوربا قبل نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، وفقط بعد اتصال أوربا الصليبية بالشرق العربي حيث اقتبس المسيحيون نظم المستشفيات والملاجئ، ولو أن أوربا ظلت زمنًا طويلا تحارب الأطباء ولا تعينهم في المستشفيات اعتقادًا من المسيحيين بأن رسالة الكنيسة فيما يتعلق بالمرضى هي تخفيف الآلام لا الشفاء.
ومن أوائل المستشفيات، حسب قول شاهد عيان، ومن أحسن المستشفيات الأوربية ذلك المستشفى المعروف في باريس باسم «أوتيل ديه» أي «فندق الله»، وهذا المستشفى كما تصفه المراجع التي وصلتنا كانت أرضه مرصوفة بالطوب المغطى بالقش وعليه يتزاحم المرضى. . . أقدام هؤلاء إلى جانب رءوس أولئك، والأطفال إلى جانب الشيوخ والنساء بجوار الرجال .. وأصحاب الأمراض المعدية مع غيرهم جنبًا إلى جنب، كما نجد نساء قد جاءهن المخاض وأطفالا من المغص يتلوون، ومصابين بالحمى يهذون، ومرضى السل يسعلون، وآخرين بالأمراض الجلدية