للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ولد الرازي في مدينة الري بخراسان الواقعة شرقًا قليلا من طهران الحالية، وكان ذلك في منتصف القرن التاسع الميلادي عندما استطاع حفيد شارلمان تقسيم دولة الكارولينجيين. أما سكان جبال خراسان فقد كانوا شقر الشعور حتى إن العرب أطلقوا عليهم لفظ «ثعالب الري الحمر».

وكان الرازي أشقر اللون عظيم الجسم. ولما كان طفلا لم يظهر شيئًا من النبوغ، وقد غنى وعزف على العود إلا أنه لم يمتز على زملائه واهتم مثلهم بالدراسات الفلسفية واللغوية والرياضية ولم تظهر عليه معالم النبوغ التي توحي بأنه سيصبح شخصية ممتازة في المجتمع الإسلامي اللهم إلا في الموسيقى فقد أبدى نوعًا من التفوق. وكان يكتسب قوته اليومي بمختلف المهن والوسائل، وهكذا ظل على هذا المنوال حتى بلغ الثلاثين من عمره، وكان ناقمًا على حياة البطالة التي يحياها، وكان متعطشًا إلى عمل يشغله كل وقته فترك مهنة الصيرفة ومسقط رأسه وتوجه إلى بغداد شأنه في ذلك شأن كثيرين ممن سبقوه معتقدًا أن الدهر الذي كشر له حيث هو قد يبتسم له في بغداد كما ابتسم لسابقيه.

وما كاد يصل إلى عاصمة العباسيين حتى أقبل بحماس على دراسة الطب فبدأ أولا بأخذ اللغات اليونانية والفارسية والهندية ومبادئ الطلب على حنين بن إسحق الذي كان رئيس مترجمي أبناء موسى وكثيرين من الخلفاء. وبعد إتقانه هذه المواد وإلمامه بها الإلمام الكافي عاد إلى الري كمدير لمستشفاها، لكنه لم يقنع بهذا، وبعد قليل من الزمن تقدم ليشغل وظيفة كبير أطباء المستشفى الكبير بالعاصمة التي تجاوز سكانها المليون ونصف المليون نسمة. وقد تقدم لشغل هذا المنصب نحو مائة طبيب إلا أن الاختيار وقع عليه، ومن حسن طالعه أن أصبح كذلك الطبيب الخاص للخليفة ففتحت له أبواب القصر وأصبح مرموقًا من الجميع.

وهكذا أخذ نجمه يسطع وشهرته تنتشر لا كطبيب فحسب بل كأستاذ أيضًا فقصده الطلاب من مختلف أنحاء الدولة، ومنهم نفر من الأطباء الذي سمعوا عن شهرته العلمية وتجاربه الطبية آملين الاغتراف من بحر علمه الزاخر، فكانوا يرافقونه

<<  <   >  >>