للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عند القيام بجولته اليومية في المستشفى، فكانت محاضراته وعياداته تغص بطلاب المعرفة وعشاق العلم من تلاميذه وتلاميذ تلاميذه وآخرون.

إن مثل هذا الإقبال على عالم لم يحدث من قبل، فقد كان الأستاذ الرازي أكبر مرجع في الحالات العسيرة التي يصعب الفصل فيها تشخيصًا وعلاجًا وهو الأمل الأخير لمن يقاسون أشد الآلام، حتى قصده المرضى وغيرهم من مختلف نواحي البلاد سعيًا وراء الشفاء والمعرفة. هكذا يتحدث القوم عنه حتى بعد وفاته بقرنين فابن أبي أصيبعة يذكر:

«ومما حكي عنه من بدائع وصفه استدلاله قال القاضي أبو علي المحسن بن علي بن أبي جهم التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة: حدثني محمد بن علي بن الخلال البصري أبو الحسن أحد أمناء القضاء، قال: حدثني بعض أهل الطب الثقات أن غلامًا من بغداد قدم الري وهو ينفث الدم، وكان لحقه ذلك في طريقه، فاستدعى أبا بكر الرازي الطبيب المشهور بالحذق صاحب الكتب المصنفة فأراه ما ينفث ووصف ما يجد، فأخذ الرازي مجسته ورأى قارورته واستوصف حاله منذ بدأ ذلك به، فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة ولم يعرف العلة فاستنظر الرجل ليتفكر في الأمر، فقامت على العليل القيامة وقال: هذا يأس لي من الحياة لحذق المتطبب وجهله بالعلة، فازداد ما به، وولد الفكر للرازي أن عاد إليه فسأله عن المياه التي شربها في طريقه فأخبره أنه قد شرب من مستنقعات وصهاريج، فقام في نفس أبي بكر محمد بن زكريا الرازي المتطبب الرأي بحدة الخاطر وجودة الذكاء أن علقة كانت في الماء فحصلت في معدته، وأن ذلك النفث للدم من فعلها. فقال له: إذا كان في غد جئتك فعالجتك ولم أنصرف أو تبرأ ولكن بشرط أن تأمر غلمانك أن يطيعوني فيك بما آمرهم به فقال: نعم، وانصرف الرازي فجمع له ملء مركنين كبيرين من طحلب أخضر فأحضرهما من غد معه وأراه إياهما وقال له ابلع جميع ما في هذين المركنين، فبلع الرجل شيئًا يسيرًا ثم وقف فقال: ابلع. فقال: لا أستطيع، فقال للغلمان: خذوه فأنيموه على قفاه ففعلوا به ذلك وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه وأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبسًا شديدًا ويطالبه ببلعه شاء أم

<<  <   >  >>