للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطبيعيين ومعهم كثيرون من الأطباء اليونانيين. أما أبقراط فكان يعتقد أن هذا ليس هو الطريق السوي للطب، وذلك لأنه طريق محفوف بالمخاطر، فالوسيلة الوحيدة لتحقيق هدف الطبيب هو طريق التجارب والاختبارات والعمل، وبخاصة دراسة المريض وهو على سرير المرض. أما سائر الطرق الأخرى فجامدة تسير على وتيرة واحدة فلسفية وتنظر للأمراض وكأنها وقد صبت في قالب واحد لا تحوير فيه ولا تغيير، والواقع أن كل مرض يحتاج إلى عناية خاصة ودراسة خاصة؛ لأن المرض يكون حالة مستقلة متصلة بالبيئة والزمان والمكان.

وهكذا نجد أبقراط ينساق وراء شيطانه ويؤمن بنظرية «أمبيدوكليس» الخاصة بالعناصر الأربعة الأولية، ففي كل إنسان معافى سليم أربعة أنواع من العصير الرئيسي: الدم والمخاط والمرارة الصفراء والمرارة السوداء وخواصها المختلفة بالرغم من امتزاجها مع عناصر أخرى. فالمرض هو اضطراب في نسب الامتزاج، فهذا الاعتراف بالحرص على تشكيل العالم وفهمه على هيئة صور أثبت أبقراط تقديره للفلسفة اليونانية كما ترك الباب مفتوحًا أمام الخيال والأفكار المتأخرة.

ولم تترك فكرة تصور الكون على هيئة صور الفرصة لمن ينتظرها، إذ من بين التلاميذ وتلاميذ التلاميذ من عمل على خنق نظرية التطبيق والتجربة؛ وذلك بسبب انتشار نظرية عناصر العصير الأربعة، ومع الفلاسفة العظام أمثال: أفلاطون وأرسطو انتصرت نظرية الاستنتاج على التجربة واستنباط الحقائق الطبية من المستشفى، وبذلك أصبح الطب يدرس وينظر إليه على أنه علم وليس مجرد تجارب تكتسب من المستشفى، وهكذا نجد الطب إلى طريق وعر خطأ بسبب آراء أولئك الفلاسفة الأقدمين، ومما يؤسف له حقًا أن الطب ظل يسير في هذا الطريق قرونًا عديدة. ولما جاء جالينوس (١٣٠ - ٢٠١ م) حقق الهدف السامي للطب عن طريق علمي صحيح ومنطق رياضي سليم، وأقام حول علم الطب سياجًا متينًا، واستخدم جميع الطرق الهندسية بحيث استطاع الاستفادة من كل مجهودات الماضي، فخطا بالطب خطوات علمية موفقة وخرج به من حيزه اليوناني الضيق إلى المحيط العالمي الواسع.

<<  <   >  >>