يجمع قواه ويضع كتابًا نظريًا في الطب في الوقت الذي نجدد فيه البلاد العربية تستخدم الطب عمليًا لا نظريًا فقط في مكافحة الأمراض. فالعلاج كان عند العرب عنصرًا اجتماعيًا اشتراكيًا، والمستشفيات بلغت أوج عظمتها وكانت أحسن ما عرفته الإنسانية في تاريخها الطويل. كان العرب يتطلبون كفاية ممتازة لا في الطب فقط بل في سائر العلوم المتصلة به، فهناك العناية بالدرس والدقة في الامتحانات والاستعداد لمزاولة المهنة في المستشفيات وتدريس الطلاب حيث توجد مواد الدراسة والتدريس متوافرة لأولئك الطلاب. لكن ماذا كان يوجد؟
إن بعض المؤلفات اليونانية كانت ضرورية للتعليم، ولا يمكن إغفالها أو الاستغناء عنها لكن ما هو موقف الطالب الذي يريد أن يكوِّن فكرة عامة عن الطب؟
يذكر علي بن العباس الطبيب الخاص للسلطان عضد الدولة والذي كان معاصرًا للأوربي «جربرت فون أوريلاك» أنه لم يجد في كتب المتقدمين والمحدثين من الأطباء كتابًا شاملا يعالج جميع فروع الطب ومعرفتها معرفة لا يستغني عنها من يريد الإلمام بالطب، فعلي بن العباس ينتقد سائر المراجع الطبية التي كانت موجودة وقتذاك. فأبقراط يوجز في الكتابة والكثير من عباراته غامض وفي حاجة إلى شرح وتفسير. وجالينوس وضع كتبًا كثيرة وكل كتاب منها يعرض لقسم خاص من الطب إلا أن مؤلفاته كثيرة التكرار وتتصف بالاستفاضة فلا يوجد من بين مؤلفاته كتاب واحد يصلح للدرس والتحصيل للمبتدئين، وهكذا نجد عليّا يعرض لكل كتاب شرحًا ناقدًا يائسًا هذا رأيه مثلا في مؤلفات أمثال «أوريباسيوس» و «بول فون إيجينا»، ثم يقول إنها جيدة إلا أنه ينقصها المنهج وهي صعبة على الطلاب وليس من السهل تحصيلها. ثم نجد المحدثين ليسوا أحسن حالا من سابقيهم فهاهم أولاء هرون وسرابيون وماسويه والرازي قد وضعوا كثيرا من الكتب إلا أنها غير صالحة للدرس، وحتى كتاب المنصوري للرازي -بالرغم من أنه لم يترك شيئًا إلا ألم به وعرض له- ليس في شمول الحاوي الذي هو المثل الكامل للكتاب العلمي. حقيقة أن جميع الكتب موجودة في الحاوي وهو الكتاب المثالي لولا عدم ترتيب فصوله وانقطاع الصلة بين مادته، وهذه صفات يجب أن تتوافر في الكتاب ليصير كتابًا