للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

دراسيًا. والرازي لم يقسم كتابه إلى فصول وأبواب كما ينتظر القارئ من عالم بالطب كالرازي الذي اشتهر بسعة الاطلاع والأسلوب القوي العلمي، فمثل كتاب الحاوي كما وصلنا يدعو إلى العجب حقًا، ويظن أن الذي حدث لهذا الكتاب يجب أن يكون أحد أمرين: إما أن الرازي كتب ما كتب كمذكرات لأجل الذاكرة وبخاصة عندما تتقدم به السن، لأنه خشي أن شيئًا ما قد يصيبه أو يصيب مكتبته، وإما أن هذه المذكرات كتبت لتعاونه عند تأليف كتابه وتبويبه، وتنسيقه، ولما عاجلته منيته لم يستطع تحقيق هذه الأمنية، لذلك نجد مجموعة غير مختارة تتجلى فيها الآراء المختلفة لكثيرين من الأطباء، كما أنها تشتمل على كثير من الزيادات، ولذلك تضخمت صفحات الكتاب حتى إن عدد الأغنياء الأثرياء الذين يستطيعون شراء هذا الكتاب كان قليلًا جدًا لغلاء ثمنه. ويفهم من مقدمة الحاوي أن الرازي قصد من تأليفه معالجة كل ما هو ضروري لحفظ الصحة وعلاج الأمراض والأشياء التي يجب على كل طبيب حاذق أن يعرفها.

ومن حسن الحظ أن جميع الأفكار والأماني التي قصد إليها الرازي وحالت منيته دون تحقيقها قد أنجزها علي بن العباس إنجازًا كاملًا، فقد وضع كتابًا يعتبر خير الكتب التي ألفت لتدريس الطب، فهو وسط بين تفصيل الحاوي وإيجاز المنصوري، وقد أهداه إلى السلطان عضد الدولة مؤسس المستشفى الكبير في بغداد، وهو الملك الذي ناصر العلوم وأخذ بيد العلماء، كما أحصى له الصوفي النجوم الثابتة، لذلك أطلق علي بن العباس على كتابه اسم: الكتاب الملكي. وإنه لكتاب ملكي حقًا إذ يستحق من القارئ حتى يومنا هذا كل إعجاب وتقدير.

وإننا نلمس في هذا الكتاب الروح العلمية والعبقرية الجبارة والنهج العلمي القديم، فقد رتب كتابه أحسن ترتيب كما بوبه أحسن تبويب، وهو من هذه الناحية أيضًا يعتبر من أحسن المخطوطات التي وصلتنا، كما سلك في تأليفه مسلكًا فذًا، فأكثر من الجداول التي تسهل وتبسط المادة على القارئ وصاغ كتابه على هيئة أسئلة وأجوبة عرض فيها للمادة عرضًا حديثًا ينم عن فهم المؤلف وحسن إدراكه لمادته وعمق تخصصه حتى جعل مادة الطب وللمرة الأولى واضحة جلية ومثالية للطلاب

<<  <   >  >>