«فالعرب هم الذي أدخلوا النور والنظام على المؤلفات الغامضة، والتي جاءتنا مهلهلة مضطربة عن العالم القديم» هكذا يذكر مؤرخ طب ويعترف بذلك: «فقد جعلوا من المقتبسات الجافة والمعلومات المجموعة والمجردة من العقل والفهم، هذه المعلومات التي وضعها البيزنطيون كتبًا علمية حقًا، فقد نظموها وقسموها حسب تخصصها، لقد أدرك العرب أن الغرض من هذه الكتب يجب أن يكون التعليم فصاغوها الصياغة التي حققت هذا الهدف، وذلك في لغتهم العربية القومية الحية وليس في لغة ميتة فكانت كتبهم مثالا علميًا عظيمًا»(نويبورجر).
لذلك لا عجب إذا اعترفت أوربا بالعرب أساتذة لها ومعلمين، وأخذت عنهم علومها الطبية وكتبهم التي امتازت على ذلك الخليط المشوش الذي تركله اليونان. فأيها أحسن للحظ والتعليم؟ ! أليست هي هذه الكتب العربية التي وضعت في صيغة سؤال وجواب كتلك التي ألفها حنين بن إسحق وثابت بن قرة ومئات آخرون؟ ! إن إيساغوجي حنين لتعليم آراء جالينوس، وسائر مؤلفات ابن رضوان وغيرها كانت من الكتب التي لا يمكن أن يستغني عنها طالب طب، كما أنه ليس هناك أنفع لطبيب من الأطباء من جداول ابن جزلة التي رتب فيها الأمراض ترتيب الأفلاك في الجداول الفلكية، وهذه الجداول تمكنه من إلقاء نظرة عامة على الأسباب والتشخيص وطريقة العلاج للفقراء والأغنياء، وقد ذكر فيها قرابة ثلثمائة واثنين وخمسين مرضًا. أو هل هناك أنفع من جداول ابن بطلان حول فوائد ومضار الطقس والغذاء والحركة أو السكون والنوم أو اليقظة ووسائل التغلب على هذه الأضرار؟ !
لقد كان ابن بطلان يزاول مهنته في بغداد في الوقت الذي كان يباشرها ابن رضوان في القاهرة، فقد كان ابن رضوان أستاذًا ممتازًا ونقيب أطباء مصر، وقد قامت بين الطبيبين خصومة حادة تبادلا فيها الرسائل العنيفة، فكانت الخصومة عبارة عن حرب رسائل بين الطبيبين، ويرجع سببها إلى ادعاء ابن رضوان أن معظم العلوم تعود أصولها إلى اليونان، فهذه الدعوى من ابن رضوان وقوله إن دراسة الطب يجب أن تعتمد أصلا على الكتب اليونانية آلمت العلماء العرب؛ والواقع أن