للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

دعوى ابن رضوان هذه كانت تشهيرًا فقط بابن بطلان الذي نشأ في بيئة فقيرة إذ كان ابن سقاء، لذلك اضطر لابن إلى كسب قوته عن طريق العمل وما كان يستطيع الحصول على كتبه إلا بشق الأنفس، وذلك عن طريق نبوءاته الفلكية، ومن هذه الكتب التي كان يشتريها بدريهمات قليلة حصل ابن بطلان على معلوماته الطبية.

ولكنهما -بالرغم من اختلاف وجهتي نظرهما- قد التقيا في الشعر والنكات اللاذعة، وبخاصة أن ابن رضوان الذي اشتهر بالمشاكسة كان لا يترك فرصة سانحة لمهاجمة خصمه إلا انقض عليه منتقمًا منه بالرغم من بعد الشقة بينهما، فابن بطلان كان مقيما في بغداد وابن رضوان في القاهرة. ومما يذكر أن ابن رضوان وضع رسالة عنوانها: إن جهل ابن رضوان حكمة بالنسبة لابن بطلان! فقد سخر فيها من ابن بطلان، وقال إن ابن بطلان لا يستطيع قراءة رسائله؛ كما وضع ابن رضوان رسالة أخرى فيه: رسالة إلى أطباء القاهرة خاصة بأحدث الأشياء عن ابن بطلان؛ وهكذا دواليك. وأراد الخصم أعني ابن بطلان الانتقام من ابن رضوان فلجأ إلى الشعر مخاطبًا ابن رضوان الذي كان يلقبه ابن بطلان بلقب «تمساح الجن»:

فلما تبدى للقوابل وجهه .... نكصن على أعقابهن من الندم

وقلن وأخفين الكلام تسترًا ... ألا ليتنا تركناه في الرحم

ومع مضي الزمن نجد التجارب العملية للحياة الطبية تستدعي وضع كتاب قيم وجد إقبالا عظيما من القراء ألا وهو كتاب الرحلة المعروف باسم زاد المسافر للفقراء، وهو كتاب يتحدث في شيء من الدقة والإيجاز وفي أسلوب سهل مفهوم عن أسباب الأمراض وتشخيصها وعلاجها وبخاصة هذه الأمراض التي قد تنزل بالإنسان إبان أسفاره، ومؤلف هذا الكتاب طبيب واسع الخبرة فيما تعرض له، فهو طبيب أسفار ورحلات، ففي كل عام كان يركب البحر صيفًا مغادرًا تونس مرافقًا السفن في حملاتها وأسفارها وحروبها ضد الكفار في البحر، وهذا الطبيب هو ابن الجزار فقد كان يغلق عيادته الخاصة في القيروان إبان شهور القيظ ويبحر كطبيب للسفن في أسطول المسلمين إلى شواطئ وسط إيطاليا وشمالها وجنوب فرنسا أو شمال إسبانيا وربما مرة إلى نهر التيبر شمالا حتى روما والقديس بطرس. وقد

<<  <   >  >>