وعلاوة على ذلك فقد كانت التراجم الجديدة المباشرة للكتب اليونانية تتصف بالفوضى والاضطراب وضعف الفائدة بخلاف تلك التراجم التي اعتمدت على العربية. وقد كشف الإنسان عن مؤلفات أمثال:«روفوس» و «بولوس» و «سيلسوس» ونقلها إلى لغة العصر إلا أن تقادم عهدها جعلها لا تصلح للعصر الذي ترجمت فيه بخلاف الحال مع المؤلفات العربية التي ترجمت في نفس الوقت إلى اللاتينية مثل القانون لابن سينا الذي ترجم مرة في دمشق وأخرى أحسن وأدق في إيطاليا.
لكن هناك شيئًا هامًا أثر بواسطته الإنسانيون في الأطباء ولو أن هذا الشيء لا يمت إلى الطب بصلة فهو إنتاج لغوي نبه القوم إلى وجوب الاهتمام بفحص النصوص وتحليلها وإن كان هذا الاتجاه قد صرف القوم عن فهم المعنى إلى الأسلوب بما فيه من فصاحة وبلاغة، لكن حتى هذا لم يصرف الأوربيين عن الاهتمام بأساتذتهم العرب وذلك لأنهم قد تبينوا مدى تفوق العرب على اليونان، فمن بين الأطباء المشهورين الذين زينوا جبين القرن الخامس عشر والذي طارت شهرتهم إلى كل مكان: ابن سينا والرازي وابن زهر وعلى بن عباس وأبي القاسم، وقد كانوا المثل الأعلى في الطب، كما أنهم هم أساتذة الذين خلفوهم وبخاصة في الطب العملي.
وقد انصرف نفر من العلماء إلى دراسة التراثين العربي واليوناني والمقابلة بينهما وبخاصة فيما يتصل بالطب ومعرفة مدى أثر اليونانيين على الأطباء العرب الذين خلقوا الطب العملي التجريبي، وقد قدم أولئك العلماء إحصائية عن هذا الأثر. ومن أهم الكتب التي ألفت في هذا الموضوع كتاب الجراف «فراري دا جرادو» أستاذ جامعة بافيا الذي وضح شرحًا وتفسيرًا للكتاب التاسع من كتاب المنصور للرازي، وهو أول كتاب طبي طبع عام ١٤٦٩. ففي مؤلفات «فراري» جاءت إحصائية تبين أن ابن سينا ذكر أكثر من ثلاثة آلاف مرة والرازي وجالينوس ألف مرة وأبقراط مائة وأربعين مرة.
والجدير بالملاحظة إلقاء نظرة على الطبعات القديمة للكتب الطبية وأولها ولا