للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدخول في دين الله أفواجًا. وهكذا بدون استخدام قوة أو ضغط أخذ يختفي المسيحيون اختفاء الجليد في الشمس، وفي العصور الإسلامية المتأخرة حيث كان المسلمون مزيجًا غريبًا في مختلف الشعوب أخذت تظهر بعض النعرات الدينية التعصبية. أما العرب الخوض فقد كانوا بعيدين عن الخوض في مثل هذه الخصومات.

وهنا نجد التسامح الإسلامي العربي الذي هو مضرب الأمثال يتجلى لنا في صورة تخالف كل المخالفة هذه الصورة التي يتجلى لنا فيها تعدد الآلهة عند الرومان المتأخرين الذين وجدوا مكانًا في مجمع آلهتهم لكل إله مهما كان أصله ونوعه. إن صبر العربي واحتماله وموقفه النبيل من خصومه دينًا وعقيدة له أصوله وجذوره البعيدة التي تتجلى لنا في الفتى العربي القديم. الفتى العربي الجاهلي. تضحية حتى الموت، تضحية لا تعرف حدًا أو ترددًا، وكانت هذه المعاملة الكريمة يتمتع بها الضيف كما يتمتع بها أقرب المقربين إليهم. فنحن نعلم أنه إذا ما أقبل الضيف الأجنبي والذي قد يكون عدوًا للقبيلة فإنه سرعان ما تحتضنه القبيلة وكأنه عضو منها تسري عليها عهودها ووعودها التي تكون القبيلة قد قطعتها على نفسها تعمل بمقتضاها وتحترم نصوصها، وقد يكون هذا الضيف ألد أعدائها.

ولما جاء الإسلام أعفى القبيلة من التزامها لأفرادها وحل هو محلها، أعني محل القبيلة، كذلك هذه المعاملة التي كان يلقاها الضيف من أفراد القبيلة لأسباب بدهية تولاها الآن الإسلام والجماعة الإسلامية، ومن ثم نجد الإسلام ينتهي إلى إنسانية لا حدود لها. لقد أصبحت الفتوة التي يعامل بها حتى الأعداء.

إن هذه الفتوة العربية قد تجاوبت مع الفروسية الجرمانية وأثرت فيها أثرًا بعيدًا فهؤلاء الوثنيون (! ! ) النبلاء «كان النبيل منهم يتجاوز عن النصر الذي يحرزه بحد السيف»، هذا النصر الذي جاهد في سبيله، ويلقي السيف جانبًا ويقدم يده مصافحًا خصمه متجاوزًا عن العوائق القومية والدينية التي قد تكون قائمة، لذلك ليس بالعجيب أن نجد الفارس الجرماني «فولفرام فون أشينباخ» يشيد بفتوتنا العربية، ويقيم لها نصبًا عاليًا مخلدًا به جوهرها وعرضها

<<  <   >  >>