للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال، أولا «الوثني فيرفيز» هو الذي علم بطله «برسيفال» آخر مرحلة من مراحل الفتوة الحقيقية.

فهذه الإنسانية الصريحة وسماحة الفتوة والفروسية العربية في مظهرها البسيط الرقيق قد نظرت إليها الشعوب المختلفة والديانات المتعددة نظرة إعجاب وتقدير، لذلك سرعان ما أخذت تنتشر انتشار النار في الهشيم. فالفرق المسيحية النسطورية والمونوفيزيتية مثلا والتي كانت الكنيسة الرسمية، أعني كنيسة الدولة، تحرص على أخذ أفرادها بالصرامة. أخذ أولئك الأفراد يتحررون تدريجيًا من استعبادين: استعباد الدولة واستعباد الكنيسة، كما بدأوا يتطورون ويتصرفون أحرارًا غير مقيدين، وكما أن الزهرة تتجه نحو الضوء الذي ينميها ويغذيها ويبعث فيها الحياة، كذلك أصبح المغلوبون على أمرهم يعملون للانسجام مع حكام البلاد الجدد محتفظين مخلصين لعاداتهم وعقائدهم.

فقد أخذوا اللغة وسموا أبناءهم أسماء عربية، ومع مرور الزمن أخذوا يقتبسون مسلم وملابس وعادات العرب وطباعهم، حتى إن الطبيب في بعلبك والتاجر في الموصل والمشرع في غرناطة كانوا يلتقون جميعهم في أسواق القاهرة وحوانيتها كما لو أنهم جميعهم أبناء شعب واحد.

ولم يحدث ما حدث نتيجة لضغط أو تنفيذًا لأوامر بل هي الرغبة الملحة في الاندماج في عالم المنتصرين. إن حمل الاسم العربي إلى جانب الاسم الأول المتصل بالعقيدة كان فخر المسيحي أو اليهودي أو المجوسي، وليكن الاسم عبد الله أو محمدًا.

وقد كانت هذه العادة متبعة منذ القرن العاشر، ولو أن المسلم لم يفرح في الواقع لاستخدام غير المسلمين لهذه الأسماء العربية الإسلامية المقدسة، ففي استخدامهم لها تجريد لها من قدسيتها.

ولو أن الشعوب المغلوبة على أمرها -عدا البربر والأسبان- كان أبناؤها أصحاب ثقافة ومدنية أرفع وأبعد من ثقافة العرب ومدنيتهم، فإن العربي المنتصر كان في

<<  <   >  >>