للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعين الأغلبية الساحقة -مع استثناء الفرس المثقفين والمدركين لمنزلتهم- ليس الشخص الذي لا أصالة له ولا مكانه له. فنبل العربي وتهذيبه الطبيعي ووجاهته التي تثير الإعجاب وجميع هذه الصفات التي يتحلى بها أثارت إعجاب هذه الشعوب كما أثرت فيها تأثيرًا بليغًا. ثم إن شعوره بكرامته هذه الكرامة التي ارتبطت بسيادته التي ولد بها كانت كافية لأن تخبر هذه الشعوب على اتخاذه مثالا يحتذى حتى إن كل فرد كان يبذل قصارى جهده للتشبه به أو اللحاق به وبلوغ مكانته الاجتماعية لكي يقال عن هذا الشخص إنه عربي أو مسلم. وهذا الطموح كان دعاية كبرى للعقيدة الإسلامية وهي دعاية لم تقم بها أو تدعو إليها حركة تبشيرية، فأقبل على الإسلام خلق كثير.

والذي يؤمن بالإسلام يجب أن يقرأ كلام الله ويرتله في اللغة التي نزل بها الوحي، يجب أن يكتب ويتكلم ويقرأ لغة القرآن الكريم، لغة الشعراء الأقدمين، لغة المنتصر. وبالإضافة إلى جميع ذلك يجب أن نذكر الحقيقة الآتية التي قد يغفلها الإنسان، إن المنتصر صاحب هذه اللغة، أصبح ومنذ زمن بعيد ليس هو الذي ينتمي إلى هذه الطبقة الصغيرة الفاتحة فقط، ففي كل هذه القرون الطويلة نجد العرب يرحلون من الصحراء سائرين في طرق الفتوحات ولا يقفون عند مرحلة من المراحل بل أصبحوا كالموج تدفع الموجة الأخرى، وهكذا أصبح العالم وهو يواجه موجات البدو تتدفق غير منقطعة وتتبع كل موجة ووجهة الجميع شمال إفريقية وصقلية وإسبانيا. وهنا نجد العرب يستخدمون سكان تلك البلاد الأصليين في مختلف الحرف والهن، فعملوا كفلاحين وصناع وتجار وموظفين ومعلمين وعلماء بعد أن تعربوا وتطبعوا بالطابع العربي.

ثم ظاهرة أخرى ألا وهي أن لغة الدواوين أصبحت عربية، وكذلك لغة التقاضي والسياسة والتخاطب والتجارة والمواصلات والمجتمعات. فمن ذا الذي يستطيع أن يخرج عن هذه الحالة؟ من ذا الذي لا يبهره جمال اللغة وجرسها ونغمتها الحلوة؟ حتى الجيران قد سحرتهم العربية كما هو الحال مع الأساقفة الأسبان الذين كثيرًا ما شكوا من هذا الوضع مر الشكوى وحتى غير المسلمين كانوا

<<  <   >  >>