للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتخذهم حلفاءه في حروبه ضد خصومه. ويكفي أن نتذكر ما حدث على البوسفور حيث أرسل إلى عبد الرحمن الثالث في الأندلس صندوق مملوء بالمخطوطات القديمة من بينها رسالة ديسكوريدس في الطب.

وقد أدى بيع التراث العقلي الوثني وإقبال العرب على شرائه إلى رفع ثمنه، فكانت البعوث الخاصة المزودة بكافة الصلاحيات والتفويض والحقائب الملأى بالنقود تترك بغداد إلى بيزنطة والهند، حيث نجد علماء تلك البلاد يقومون بدور السماسرة مثل البيزنطي «فوتيوس» الذي اجتذبه الحياة العقلية الرفيعة في البلاط العباس، حتى إنه فضَّل الإقامة في بغداد على العودة إلى بيزنطة.

كذلك كان الأمراء مشغوفين بالحصول على المترجمين الذين يترجمون لهم هذه المخطوطات، كما سار في ركب الأمراء كذلك الوزراء والأثرياء. وكانوا يدفعون الأموال الطائلة لأولئك الذين يتجولون لهم من العلماء الوسطاء في بلاد اليونان والأناضول، وحيث نزل الهلّينيون للحصول على بقايا التراث العقلي، هذه البقايا التي نجت من التدمير.

وكان القوم ينقبون على هذه المخطوطات تنقيبًا، فكانوا يعثرون عليها في أماكن غريبة مهجورة مظلمة تأوي إليها الفئران والعناكب، وتلك هي القاعات السفلى في منازل الإسكندرية حيث قد يعثر الباحث على مخطوطة خاصة بآلات القتال محفوظة بين حجرين مطبقين عليها وأكوام من الأحجار، كما قد يعثر المنقب على مخطوط آخر محفوظ في علبة مخبأة في جدار معبد سرياني. وفي الأنضول وعلى بعد مسيرة ثلاثة أيام من بيزنطة اكتشف محمد بن إسحاق مكتبة عظيمة في معبد كبير قديم له باب لم ير مثله حجمًا، وهو يتركب من صفقين (درفتين) من الحديد، وقد شيده اليونانيون في الأزمنة الغابرة عندما كانوا يعبدون الأفلاك والأوثان، كما كانوا يقدمون في هذا المعبد القرابين. ويذكر محمد الذي كان سفيرًا عربيًا في القصر البيزنطي أنه كافح كفاحًا شديدًا في سبيل الحصول على هذا الكنز العظيم، فقد رجا حاكم دولة الروم الشرقية أن يفتح له المعبد إلا أنه رفض إجابة هذا الرجاء، وذلك لأن أبوابه قد أغلقت منذ أن اعتنق البيزنطيون المسيحية، لكن

<<  <   >  >>