للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرش في دمشق فأصيب بصدمة نفسية ألجأته إلى احتضان العلوم، لكنه خجل أن يتصل بأصدقائه الكتب في لسان أعجمي، وخالد بن يزيد كفرد من أسرة امتازت بمناصرة العلم والأخذ بيد العلماء وجد لزامًا عليه أن يستدعي علماء من اليونانيين والعرب من الإسكندرية ويكلفهم ترجمة أمهات الكتب الموجودة في اليونان أو مصر إلى لغة الدولة، وبذلك يستطيع الحديث في لغته مع ضيوفه من العلماء.

فهذه الخطوة التي بدأها هذا الأمير في دمشق تسلية وعزاء أتمها بعده الخلفاء العباسيون في بغداد خدمة للإسلام والمسلمين. فقد أمر المنصور كما جاء في كتاب عقد الآلئ فيما يتعلق بالكتاب الهندي «سيدهنتا» أن يترجم إلى العربية ويؤلف كتاب على نمطه في العربية ليتعلم العرب منه حركات النجوم، والواقع أن ما طلب حكام العرب تنفيذه اقتناعًا منهم بفائدته قد نفذ كاملا غير منقوص.

فعملية الترجمة كانت تؤدى بعناية ودقة وحماس لا يقل عن هذا الاهتمام الذي وجه إلى جميع الكتب التي جمعت من مختلف مصادرها، فقد استدعى هارون الرشيد مختلف العلماء الذين يجيدون مختلف اللغات وكوَّن منهم هيئة علمية تحت إشراف يحيى بن ماسويه مهمتها تقدير التعويضات التي يجب أن تدفعها الشعوب المهزومة، وهذه التعويضات يجب أن تكون كتبًا. ثم جاء المأمون وكوَّن مجمعًا علميًا حقيقيًا للقيام بأعمال الترجمة. وقد نسج على منواله الذين جاءوا بعده وحاولوا منافسته، فأبناء موسى بن شاكر الفلكي الثلاثة أنفقوا كثيرًا من الأموال في سبيل جمع الكتب وترجمتها، فكانوا بذلك مثالا حيًا للآخرين مثل الطبيب البعلبكي «قسطا بن لوقا».

ومن الأمثلة الأخرى الشهيرة للنشاط العظيم الذي بذل لإحياء التراث القديم هو ذلك الذي أداه ابن الصيدلي حنين بن إسحق، وهو أحد أبناء القبيلة العربية التي كانت قد اعتنقت المسيحية واشتهرت باسم «العبادي» وكانت تقيم حول الحيرة العاصمة التجارية القديمة على الفرات، وكانت في عصر مّا المقر الملكي للخميين العرب، وكانت تمر بها القوافل التجارية العربية مجتازة ما بين النهرين.

<<  <   >  >>