فقط، فحنين لم يقتصر على الترجمة لجالينوس وأبقراط وأوريبازيوس، وديوسقوريدس وبول فون أجينا بل عرج على أرسطو وأفلاطون والترجمة اليونانية للعهد القديم، الترجمة السبعينية التي نقلها إلى العربية. إن ابن إسحق قد كرس حياته للمؤلفات الفلسفية والرياضية وما بعد الطبيعة أي الميتافيزيقا. وحنين بن إسحق على نقيض المترجمين اللاتين المتأخرين، فعالمنا العربي كان ملمًا بمختلف أنواع العلوم بقدر. فقد كان يجيد المادة التي يترجم منها حتى إنه كان يسمح لنفسه أن يشرح ويبسط العبارات العويصة التي يذكرها المؤلف، كما كان يقدم لكل كتاب يترجمه بمقدمة العالم الخبير ويعلق عليه ببعض الشروح والتفسيرات. وقد اشتهر حنين بدقته حتى إنه كان كما يذكر هو بنفسه، لا يقدم على الترجمة إلا بعد الحصول على ثلاث مخطوطات على الأقل من الكتاب المراد ترجمته، فيقابل بينها ويقوِّم نصها ويصححه إذا ما دعت الحاجة إلى هذا.
فأين هذه الدقة العلمية في العالمين القديم والوسيط عدا عند العرب حيث نجد الناشر يشعر بمسئوليته تجاه المؤلف ومدى احترامه وتقديره لثروة المؤلف العقلية؟ هكذا هو موقف العربي، وهو الموقف الذي يمتدحه الإنسان اليوم ويصفه كما لو أنه موقف حديث.
وكان حنين إذا ما افتقد نسخة من مخطوطة خاصة بجالينوس، وأن هذه المخطوطة كانت في عصره من المخطوطات النادرة لا يكتفي بهذا بل يقوم هو بالبحث عنها. إني في حاجة شديدة إليها، وسأسافر باحثًا عنها في بلاد ما بين النهرين والشام وفلسطين ومصر حتى أصل إلى الإسكندرية، لكني لم أوفق في الحصول عليها إلا هذا الجزء الذي قد يكون نصف المخطوطة وقد عثرت عليه في دمشق. وإذا عاد حنين ومعه هذا الجزء من المخطوطة النادرة التي ضاع أصلها اليوم أحضر معه كذلك عددًا كبيرًا من المؤلفات القيمة إلى بغداد. وفي تلك الفترة عينه المتوكل الذي خلف المأمون طبيبه الخاص ومديرًا لمدرسة الترجمة الجديدة التي أنشأها الخليفة.
وهكذا نجد العلماء العرب يحفظون للعالم عن طريق ترجماتهم الكثير من