طردني سابقًا من درسه، وأخبره ما رأيته وسمعته من معاملة جبريل بن بختيشوع لي في منزله.
إن مثل هذه الترجمة ما كان إنسان بمستطيع القيام بها، ولعل روح القدس وقد حل بك وأوحى بها إليك؛ وأجابه ماسويه عند تصفح الأوراق: قل لي: حنين بن إسحق، يسعدني جدًا أن أكون صديقك. وشرع حنين في إلقاء محاضرات في الطب في بغداد، وحتى العالم بتختيشوع لم يخجل من حضورها والاستماع إلى صديقه الشاب، وأحيانًا كان يشاهد الإنسان أستاذ حنين من بين مستمعيه.
لكن هذا الشاب العربي اكتسب شهرة أوسع عن طريق مهارته في الترجمة، فقد امتاز فيها على ماسويه، كما أعجب به أبناء موسى، حيث امتازت ترجمة حنين بحسن الأسلوب ودقة الترجمة، فترجمته لم تكن حرفية أي كان لا يكتفي بإحلال كلمة أو جملة مكان أخرى إنما قصد في الترجمة المعنى، ومن ثم صبه في قالب عربي سليم. أما إعجاب محمد بن موسى بحنين فقد فاق الوصف، فقد أخذه إلى داره وعين له مرتبًا عاليًا لترجمة الكتب اليونانية التي جمعها هو وأخواه إلى العربية.
وسرعان ما شعر حنين بالحاجة إلى مساعدين فعين عددًا كبيرًا منهم لكن لم يخرج كتاب من معهده دون مراجعته وتنقيحه. فكل نص يقع في يديه ينظمه هو ولأول مرة ومن ثم يقسمه إلى أبواب وفصول وبخاصة كتب أمثال جالينوس، وبذلك كان حنين يؤدي خدمات جليلة إلى أولئك المؤلفين أنفسهم:
وهنا نجد مدى الفضل الذي قد يتفضل به المترجم على المؤلف، وهذا الفضل يتوقف على ميل المترجم وشغفه بالكتاب وفهمه وإدراك كنهه وحسن اختياره. فترجمته هي التي تفرض الكتاب على المجتمع وتمهد له الطريق إلى الأوساط العلمية والثقافية. فحب حنين لجالينوس هو الذي جعله يُتوجه ملكًا على عرش الطب العربي، وبذلك أصبح فيما بعد زعيم الطب الأوربي.
لكن النشاط الجم لهذا الطبيب والمترجم العربي جعله لا يقصر همته على الطب