يصل إلى هدفه ويحقق رغبته في دراسة الطب وأنه لن يرى وجه رجل مثل ماسويه الذي أهانه واحتقره. فسافر إلى بلاد الروم، وفي الأناضول درس اللغة اليونانية حتى أتقنها ليستطيع قراءة كتب كبار الأطباء اليونان، وفي البصرة على الخليج الفارسي درس على أحسن معلم اللغة العربية وأتقنها، كما اهتم كذلك باللغة الفارسية وهو يتكلم منذ سن الطفولة.
ومضى عامان على الفتى العربي الحيري منذ أن خرج من أبواب بغداد الذهبية، وفي إحدى الليالي زار خليل بن عبد الله أحد زملائه في الدراسة، وهو من تلاميذ ماسوية الذين كانوا أقدم منه، صديقًا له فإذا برجل أجنبي ذي لحية سوداء يحبو دون أن يراه أحد وقد جلس القرفصاء على فراء حمل. ولم يسبق لخليل أن رأى هذا الرجل في شوارع بغداد، فانصرف عنه خليل ولم يعبأ به، وأخذ يتحدث مع صديقه حنين.
وبغتة ارتفع صوت يغني أشعارًا يونانية لهوميروس وأوديسيوس، وهذا الصوت يكشف القناع عن صاحبه وخليل يعرف صاحبه جيدًا. أما ذو اللحية فقد جلس ورأسه إلى الحائط المبيض، والمغني يغني أوديسيوس العظيم وهو وصديقه وزميله القديم «حنين بن إسحق». فإذا بالشخص الذي أصابه الفزع يرجو ألا يبوح بسره؛ إن رسالتي لم تنته بعد. . .
وبعد ذلك بزمن قليل التقي خليل بصديقه العجيب للمرة الثانية، وهذه المرة في منزل جبريل بن بختيشوع نقيب أطباء بغداد، وكان وجوده مدعاة إلى التعجب، فالشيخ الوقور الذي انحدر من أسرة اشتهرت بالطب وبالأطباء في جنديسابور يعامل هذا الشاب ابن السابعة عشرة ألا وهو حنين معاملة ممتازة؛ يعامل بها عادة الوقورين المحترمين، فكان يخاطبه بعبارة: المعلم حنين؛ وأكرمه في بيته كما يكرم أكبر وأعز ضيف.
إنه يدعوكم معلم! سأله خليل عندما تركا البيت، إن هذا عجيب وأود أن أعرف السبب، فأخبره حنين أن نقيب الأطباء كلفه بترجمة فأداها أحسن أداء. والآن شعر أن ساعة الحساب قد جاءت: خذ الأوراق وتوجه إلى يحيى بن ماسويه الذي