وفادتهم كما تقبل الهدايا الثمينة التي لم ير مثلها من قبل شاكرًا، ولم تمض بضعة أيام حتى فارق قيصر سكسونيا العظيم الحياة في «ميمليبن» فكان استقباله للبعثة العربية هو آخر عمل سياسي قام به.
أدى الوفد العربي الرسالة التي كلف بها وعاد برًا إلى أسبانيا. أما الطرطوشي فقد سلك طريقًا مر فيد بمن «سوست» و «بادربورن» و «فولدا»، ولما دخل مدينة «ميتز» شاهد شيئًا ذكره بوطنه، ففي هذه المدينة الواقع في أرض الإفرنج (فرنكن) وعلى نهر الرين قدم له أحد تجارها بعض الدارهم العربية، فقرأ الطرطوشي مستغربًا الكتابة الكوفية واسم من صكت باسمه النقود وتاريخ ضربها (٣٠١ و ٣٠٢ هـ)، وأيقن الطرطوشي أن قطع العملة الذهبية التي بيده من سمرقند، وقد ضربت منذ ستين عامًا، ورجح أنها من النقود التي تحمل اسم نصر بن أحمد الساماني. ومما أدهشه أيضًا أنه عثر هناك على توابل لا توجد إلا في الشرق الأقصى بينما تقع «ميتز» في أقصى الغرب، ومن هذه التوابل: الفلفل والجنزبيل والقرنفل والنردين والبلسم والخلنجان.
هذا قليل من كثير من التوابل الشرقية التي فرضت نفسها على أوربا فرضًا، فهناك قائمة محتويات مخزن دير «كوربي» الواقع على نهر «سوم»، أي بالقرب من نهاية أطراف المعمورة، فهذه القائمة التي يحتفظ بها الراهب مدير المخزن تحتوي على التوابل الضرورية جدًا لمطبخه الكائن في مدينة «كمبراي» مدينة الأسقف والواقعة على بعد سبعين كيلو مترا. إن هذه القائمة لو اطلع عليها الطرطوشي لاستولت عليه الدهشة ففيها يقرأ: