للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٠٠ م يعظ الواعظ المسيحي في لغة لاتينية لا يفهمها الشعب، لذلك قرر المجمع المقدس الذي انعقد في «تور» أن تكون لغة الواعظ هي لغته القروية الدارجة الساذجة، ومن هنا نتبين أنه حتى بين رجال الدين لم تتطلب الكنيسة الثقافة الدينية العميقة، وكانت تكتفي من رجال الدين بهذه الثقافة اللاتينية الضحلة والتي بعثتها النهضة العلمية الكارولينية. أما الشعب المسيحي وقتذاك فلم يكن في حاجة إلى دراسة اللاتينية، وذلك لأن تثقيف الشعب لم يكن من الأمور المرغوب فيها في ذلك العصر

أما في العالم الإسلامي فقد كان الحال غير الحال فكان من مصلحة الدولة العربية نشر الثقافة والمعرفة بين رعاياها، فالأطفال من جميع الطبقات كانوا يقصدون المدارس الأولية نظير نفقات ضئيلة جدًا، وعندما شرعت الدولة في تعيين المدرسين منحت المجانية الكاملة لغير القادرين، هذا وفي جهات أخرى كان التعليم مجانًا لسائر الطبقات حتى في إسبانيا. ففي قرطبة كانت توجد ثمانون مدرسة عامة، وفي عام ٩٦٥ م أسس الحكم الثاني سبعة وعشرين مدرسة أخرى لأولاد الفقراء، وفي القاهرة أسس المنصور قلاوون مدرسة بالمستشفى المنصوري خاصة بالأيتام كما قرر لكل طفل يوميًا رطل خبز وجلبابًا للشتاء وثانيًا للصيف. وكان كذلك للبدو مدرسون متنقلون. إن ثغرة واحدة لم توجد في العالم الإسلامي وكان يجب سدها. فضلا عن أن التعليم عند العرب لم يبق في حدوده الأولية الضيقة وذلك لأسباب سياسية فالخصومة بين المعارضة وأحزاب الحكومة ومنافسة كلّ في كسب جموع الشعب إلى صفوفه أدت إلى العمل على رفع مستوى الشعب علميًا بغض النظر عن اختلاف الطبقات، وقد دفعت هذه الفكرة إلى التنفيذ في القرن العاشر الميلادي الأحزاب اليسارية لكي تتمكن من القيام بحركة دعاية واسعة ضد المحافظين الذي اهتمت برامجهم السياسية بالمطالبة بتعميم تعليم مختلف الطبقات، وأسسوا المدارس العالية وجعلوا التعليم فيها مجانيًا. فلم يسع الحكومة إلا أن سارعت وافتتحت مدارس أخرى لتقاوم دعاية خصومها، وهكذا انتشرت المدارس العالية في مختلف المدن الإسلامية وكان الطلاب يقطنون في المدارس ويتنازلون شهريًا مرتبات لسد حاجاتهم ونفقاتهم الخاصة. وكانت الطوابق

<<  <   >  >>