للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأرضية في المدارس معدة للمطابخ وإعداد الطعام وتناوله، كما أنشئت بهذه الطوابق أيضًا الحمامات. أما حجر الدرس فكانت في الطابق الأول، وكانت تحيط بالغرف الدهاليز والمكتبة وكلها تقع حول النافورة الموجودة في الردهة الداخلية.

وهنا كان يتعلم الشبان العرب الطموحون: القرآن الكريم، والحديث الشريف والنحو والصرف، وفقه اللغة والفصاحة والبلاغة والآداب، والتاريخ، وعلم الشعوب، والجغرافية والمنطق، والرياضيات، وعلم الفلك. فكان المنهج الدراسي منهجًا غنيًا، كما كانت طريقة التدريس تعتمد على المناقشات التي كانت تثار بين الطلاب وأساتذتهم. وإلى جانب ذلك كان هناك مساعدون من الخريجين أو المتقدمين لمعاونة الطلاب على فهم المشاكل وتحصيل المواد، فكان طنين المذاكرة والتحصيل كطنين النحل إذ كان الطلاب يجنون شهد المعرفة من ألف زهرة من أزهار الحكمة.

ومن هؤلاء الطلاب كانت تتكون طبقة القادة سواء في الدين أو السياسة. ويذكر أن أحد الأساتذة عاد يومًا من جولة من جولاته الاستطلاعية فذكر أنه لم يتوجه إلى مدينة أو مكان ما إلا وجد تلميذًا من تلاميذه قد تقلد منصبًا هامًا.

وكان بعض الفلاحين يسلمون أولادهم إلى مدرسين خصوصيين لتعليمهم مقابل مكافأة تدفع نقدًا أو حبوبًا، ويتولى المدرس تدريس الطلاب في بيته الخاص على أن يثقفهم الثقافة التي تؤهلهم لتقلد وظائف خاصة في الدولة، كأن يصير الطالب قاضيًا أو موظفًا من موظفي القصر. ولا تقتصر مهمة المدرس الخاص على تلقين الطالب العلوم نظريًا، بل كان يتولى أيضًا تدريبه عمليًا كأن يرافقه في الأسواق ويشاركه في شراء الأشياء أو زيارة الحمامات أو دخول المسجد. كذلك قد نقرأ أحيانًا كيف أن أستاذًا يشكر تلميذه الذي عنى به أثناء مرضه، فباع الطالب حماره الوحيد ليشتري بثمنه دواء لأستاذه، أو كيف أنه كان يحمل أستاذه المريض على كتفه إلى الحمام الساخن. وجرت عادة بعض الآباء أنهم كانوا يحضرون مربين خصوصيين لتربية أبنائهم في منازلهم. وإن طفلًا نابغًا مثل ابن سينا الذي حفظ القرآن وهو ابن عشر سنوات، كما حفظ كثيرًا من الكتب اللغوية عن ظهر قلب قد

<<  <   >  >>