للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تخطى حدود المدرسة وضاقت هي به. فقد بدأ حياته الدراسية بالشريعة وكان ذلك على يد مدرس خاص، كما تعلم الحساب على يد تاجر فحم، ثم نجد والده يستدعي أبا عبد الله النثيبي إلى منزله وكان يدعي معرفة الفلسفة وأخذ يدرس الطفل النابه إيساجوجي فورفوريوس. لكن سرعان ما فاق الطالب المدرس وأجاب عن الأسئلة أحسن منه ثم شرع يدرس المنطق فأدرك ابن سينا أن أستاذه لا يفقه شيئًا من هذا، فشرع ابن سينا يدرس المنطق بمفرده مستعينًا بتفسير خاص كما استعان بالمدرس لفهم أويقليد، فقرأ عليه خمس أو ست صفحات وواصل هو بمفرده دراسة الباقي. ثم أقبل على الماجسطي، وما كاد ينتهي من المقدمة حتى أقبل على الهندسة، وقال النثيبي: في استطاعتك أن تقرأ هذا الكتاب مستقلا ومن ثم تشرحه لي لأصحح لك أخطاءك. ولم يدم هذا الحال طويلا إذ غادر النثيبي بخارى فأقبل ابن سينا باشتياق على دراسة الطبيعة وما بعد الطبيعة، كما شرع في دراسة الطب على عيسى بن يحيى المصحي فقرأ أصعب الكتب ثم قال فيما بعد إن الطب ليس صعبًا، وقد ألم به في زمن قصير، إذ كان عمره وقتذاك ست عشرة سنة. وصرف نحو عام ونصف عام في التوسع في دراسات علمية أخرى وبخاصة المنطق والفروع الأخرى للفلسفة ومراجعتها. وفي ذلك الوقت شفى ابن سينا السلطان الذي اختاره عملا بنصيحة أطبائه المسنين. وقد استكمل دراساته في مكتبة القصر وفي المستشفيات؛ ولما بلغ الثامنة عشرة كان قد أتم دراسته. وكأنى بالفوز العظيم والتوفيق الكبير في تحصيل العلوم من خصائص هذا العبقري.

أما الطريق العادي لكل طالب فهو التوجه إلى المسجد، إذ إن المساجد ليست دور عبادة فقط بل دور علم وتعليم أيضًا، والعلم كما يقول الرسول فوق العبادة العمياء. ألم يقل النبي هذا الحديث: «مِدَادُ أقلامِ العُلَمَاء خَيْرٌ مِن دِماء الشهداء»!

ولا شك في أن روما تدخل صاحب مثل هذا القول في زمرة الزنادقة.

ففي المساجد يجلس إلى جوار الأعمدة الدقيقة الجميلة الأساتذة وحلقة الدرس من الطلاب. وهم يلقون محاضراتهم والأبواب مفتوحة والحضور مباح للجميع. لكل رجل وكل امرأة، ولكل فرد الحق في توجيه الأسئلة إلى الأستاذ وهذا ممّا

<<  <   >  >>