وفي أيام حكيم روجير الثاني كانت وظيفة أمير البحر هي أعلى وظيفة في الدولة كما أن شاغلها كان موضع ثقة الملك، وأول من تقلد وظيفة الأميرالية، هذه الوظيفة التي هي أصلا وظيفة عربية، لم يكن أحد رجال البحر الأقدمين الذين خدموا في الأسطول النورماني بل إن أول أمير بحر للأسطول المسيحي كان عربيًا، وهو عبد الرحمن النصراني، واسمه اليوناني «الكاثوليكي» هو «كريسودولوس». وكان حتى أيام روجير قائد القوات البحرية والبرية. لكن روجير الثاني رفع من شأن هذا الرجل الثقة وعينه أيضًا قاضي القضاة، ومن ثم وصل إلى درجة «كبير الأشراف»، وخلف هذا الأميرال أمير بحر آخر للدولة الملكية النورمانية، والأميرال الثاني هو العربي العبقري إداريًا واقتصاديًا واسمه «جرورج» الأنطاكي.
وبالرغم من عقيدته المسيحية تقلد رئاسة وزارة الزيريين وكان في سن مبكرة جدًا، وذلك في مدينة المهدية بالقرب من تونس. ثم نجد هذا المغامر يتقدم بعد وفاة سيده إلى القصر الملكي النورماني عارضًا خدماته هربًا من النية السيئة لسيده الجديد، وقد وجد روجير فيه الرجل الصالح المطلوب. وبينما كان القصر وسكان المهدية مشغولين بتأدية صلاة الجمعة في المسجد الكبير صعد وزير المالية متنكرًا في ثياب بحار ومعه رفقاؤه سرًا إلى سفينة البريد النورمانية، هذه السفينة التي تظاهرت كما لو أنها جاءت ومعها رسالة خاصة من بالرمو إلى أمير المهدية. فهذا التوفيق الذي أحرزه «جورج» الأنطاكي المغامر لازمه وما زال شابًا، والذي حدث أن أمير البحر «كريستودولوس» وهو أقوى شخصية في الدولة عين هذا الاقتصادي العبقري الشاب موظفًا في مصلحة الضرائب، إلا أن استعداده السياسي التجاري مكنه من القيام بمهمة إلى سلطان مصر كان قد كلفه بها «روجير» فعينه قبطانًا في البحرية وتخطى كعادته الكثيرين الذين كانوا يشغلون مناصب أعلى منه فأصبح رئيسًا حتى على أميري البحر «أويجين» و «يوحنا» أي الوالد والابن وهما أيضًا من العرب ومن بين الأمراء العرب الذين كانوا يعملون سواء في الأسطول أو الجيش. وقد استطاع جورج الأنطاكي بعد أن صار أميرًا للبحر أن يرقى إلى أمير أمراء البحر، وبفضل عبقريته الإدارية التخطيطية رفع من شأن أسطول صقلية ونشأه تنشئة جديدة على